السبت، 12 يناير 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 17



" والليل إذا يغشي " " ز "
وبدا لقريش أن توفد رجالاً منها إلى أبي طالب. عم المصطفي وشيخ بنى هاشم ، لعلهم يستطيعون أن يقنعوه بأن يحمل ابن أخيه على أن يكف عن دعوته التى فرقت كلمتهم ومزقت جمعهم.
ومشي وفدهم إلي أبي طالب فقالوا في تودد:
-
يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا. وعاب ديننا. وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا. فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلى بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه.
فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً وردهم ردّاً جميلاً ، فانصرفوا عنه وهم يرجون أن ينتهى هذا الأمر الذى أرّق ليلهم وشغل نهارهم.
لكن المصطفي مضى على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو إليه.
حتى سرى الأمر بين المسلمين والمشركين تباعداً وتضاغناً ، ولم يعد لقريش حديث إلا عن المصطفي صاى الله عليه وسلم. يحض بعضهم بعضاً عليه.
وعاودوا الكلام مع عمه ، فقالوا:
-
يا أبا طالب ، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا. وإنا قد استهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.
وعظم على أبي طالب فراق قومه وعدواتهم ، ولم تطاوعه نفسه علي خذلان ابن أخيه ...
وجاء المصطفي فسمع حديث عمه عن شكوى القوم. ثم قال:
-
يا عم ، إنى أريدهم علي كلمة واحدة!
قالوا بصوت واحد:
-
كلمة واحدة؟ نعم وأبيك. وعشر كلمات! فما هى؟
قال: "لا إله إلا الله"
فانتفضوا مذعورين وخرجوا غضاباً ينفضون ثيابهم ويهزون رءوسهم وهم يقولون:
"
أجعل الآلِهَة إِلهاً واحداً؟ إنَّ هَذَا لَشَىَءٌ عُجَاب "
قال له عمه بعد خروجهم:
-
يا ابن أخى ، أبقِ علىّ وعلي نفسك ، ولا تحمِّلنى من الأمر ما لا أطيق.
رد المصطفى ، وقد ظن أن عمه قد ضعف عن نصرته:
"
يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يسارى علي أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلكَ فيه ما تركته"
واستعبر حتى لم يملك دمعه ، وهويوشك أن يفارق عمه الذى كان له أباً وكافلاً وراعياً وصديقاً.
ناداه عمه وقد رآه يمضي حزيناً أسفاً:
-
أقبلْ يا ابن أخى.
فأقبل عليه الصلاة والسلام ، فقال له عمه.
-
اذهب يا ابن أخى فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبداً!
********************
عزيزى القارئ:
--------------
تخلى: تَخَلَّى: تركه - تنازل عن - تركه وإعادته لمالكه - التنازل الطوعى عن ممتلكات أو حق
فنكفيكه: استغنى عنه وقنع - حصل به الاستغناء عن سواه - نجعلك تستغنى عنه
أرّق: منعه من النوم ليلاً
تضاغناً: من ضغينة - أضمر الحقد والكُره والغل علي آخر - كذلك تعنى الصوت الذى يصدر من شدة الجوع أو الألم
يحض: أغراه - يحثه عليه بقوة
استهيناك: أنهيناك عنه - الاستهانة والاستخفاف به - لم يهتم به - لم ينظر لها بعين الاعتبار - أهانه وأنهاه عن شئ
عزيزى القارئ:
--------------
أخذتنا اليوم د. "بنت الشاطئ" لصراع نشب بين الباطل والحق .. الأول متمثل في قريش التى تريد الحفاظ على مصالحها ووثنيتها والحق تمثل في دعوة النبى ورسالته بالدين الجديد ومن معه .. وما يمنعهم عن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم عمه أبو طالب لمكانته ومنزلته وسنه والتى كان من سلوكيات العرب احترامها وطالبوه أن يتوقف ابن أخيه عما يقول بعد أن سفه أصنامهم التى يعتبرونها آلهتهم واعتبروه مفرقاً لهم .. وصرفهم عمه باللين في الرد عليهم بعد أن خيروه إما أن يكف عن دعوته أو أن يتركه لهم ويرفع عنه حمايته .. ولم يتراجع رسولنا الكريم عن رسالته صلوات ربي وسلامه عليه .. ورجعوا لعمه مرة أخرى معاتبين له لأنه لم يوقف ابن أخيه عما يدعو إليه .. وهددوه إما أن ينهيه أو يقاتلوهم حتى ينتصر فريق على آخر .. فتحير أبو طالب بين قومه وبين ابن أخيه الذى حضر وسمع ما حدث فطالبهم بقول جملة واحدة "لا إله إلا الله" فكانت الطامة بالنسبة لهم .. كيف يجعل لهم إله واحد! .. فقاموا غاضبين منتفضين غضباً وغيظاً وانصرفوا .. وطلب منه عمه أن يختاره ونفسه وألا يحمله ما لا يستطيع تحمله .. فقال رسولنا الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام قولته الشهيرة مختتماً بأنه لن يترك هذا الأمر حتى لو تطلب الأمر هلاكه .. وقد فرت الدموع رغماً عنه تأثراً وحزناً وقهراً وهو ينصرف وهو يُجِّل عمه الذى رباه ورعاه وكفله .. فناداه عمه بيا ابن أخى قائلاً "قل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا!" .. وإذا شاء ربنا الرحمن نكمل محاولات قريش عندما عرفوا رفض الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الرجوع عن دعوته فى اللقاء القادم.
عزيزى القارئ:
--------------
نستكمل معاً قصة "عبد المطلب" جد النبي صلى الله عليه وسلم وحفر "زمزم" .. عندما عرف عبد المطلب المكان أخذ معوله هو وابنه "الحارث" وأخذ يحفر بين الصنمين إساف ونائلة اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها وكان هذا المكان مع باقي الاشارات التى ذكرتها في اللقاء الماضي فقالوا له والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما ؛ فقال عبد المطلب لابنه الحارث "ذُد عنى (=دافع عنى) حتى أحفر، فوالله لأمضين لما أُمرت به .. فلما عرفوا تصميمه تركوه يحفر هو وابنه فقط بدون مساعدة حتى أنهم حفروا قدر بسيط جداً .. وأثر ذلك في نفسه لأنه ليس لديه إلا ابن واحد فعندها نذر أن لو أن الله رزقه عشرة أبناء لينحر أحدهم لله عند الكعبة .. لأنهم كانوا يعتبرون كثرة الأبناء من الأولاد عزوة وقوة وفخار .. حتى ظهر له الصخرة التى سمع أن العرب قد غطوا بها البئر قبل رحيلهم من المكان وغطتها الرمال وظهر له الطمى .. فَكَبَّر .. فعرفت قريش أنه قد صدق .. وقد أدرك حاجته .. وبزيادة الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنتهمت قبيلة جُرهم فيها حين خرجت من مكة ، ووجد فيها أسيافاً (=سيوفاً) قلعية وأدرعاً ؛ فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا "إسماعيل" وإن لنا منها حقاً فأشركنا معك فيها .. قال: ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، وأعطيته من بينكم ؛ فقالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ؛ قال: لا .. ولكن هلم إلى أمر نصف بينى وبينكم نضرب عليها بالقداح ؛ قالوا: وكيف تصنع؟ قال أجعل للكعبة قدحين ، ولى قدحين ، ولكم قدحين ، فمن خرج له قدحاه على شئ كان له ومن تخلف قدحاه فلا شئ له ؛ قالوا أنصفت .. فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ؛ وأعطوا القداح صاحب القداح الذى يضرب بها عند هُبل وهو الصنم في جوف الكعبة وهو أعظم أصنامهم وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل فضرب صاحب القداح القداح ، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة ، وخرج الأسودان علي الأسياف والأدرع لعبد المطلب ، وتخلف قدحا قريش ، فضرب عبد المطلب الأسياف باباً للكعبة وضرب في الباب الغوالين من ذهب وكان بذلك أول ذهب حليته الكعبة .. فيما يزعم البعض أن عبد المطلب طمع في الكنز الذى وجده .. وبذلك أيضاً أكون قد أجبت على "القارئ العزيز الذى قد استفسر عن هذه الجزئية في إحدى المقالات السابقة".. ولكنهم رغم ذلك أرادوا أن يقاسموه في سقاية الحجيج .. فقال لهم فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه .. قالوا: كاهنة بنى سعد بن هذيم ؛ قال: نعم .. فكانت بأشراف الشام .. فركب "عبد المطلب" ومعه نفر من بنى أبيه من بنى عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر وأصبحوا مجموعات .. قال: والأرض إذ ذاك مفاوز .. (مفاوز= صحارى) .. فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام .. (في بعض الروايات ذكروا أن عددهم وصل ل 30 رجلً) .. فنى (=فرغ) ماء "عبد المطلب" وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا الاستسقاء (=أن يشربوا) من معهم من قبائل قريش المصاحبين لهم ، فرفضوا أن يعطوهم وقالوا لهم: إنا بمفازة (=بصحراء) ونحن نخشي على أنفسنا مثل ما أصابكم .. فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه ، قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع رأيك ، فمُرنا بما شئت.
فبماذا أشار عليهم "عبد المطلب"؟! هذا ما سنعرفه في اللقاء القادم بمشيئة ربي حتى لا أطيل عليكم وإذا كان في العمر بقية.
ونعلم ما من نبي أتى برسالة من ربه إلا لقي العذاب ومن تبعوه من الذين يعارضونه ولا يريدون الإيمان بهذه الرسالة .. إليكم رابط فيديو عن تعذيب المسلمين من كفار قريش مدته 5:53 دقيقة
ربنا نسألك أن نكون من عتقائك من عذابك وأن ندخل جنتك من باب رحمتك وأن يشفع لنا رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم"
فريق مصر أم الكون

خديجه حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق