الثلاثاء، 19 مارس 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 70


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 24 -
" مسجد المهاجر وبيته " و"موازين القوى" و"الإسلام في الجبهات الثلاث: مع عصابات يهود ومع الوثنية القرشية ومع المنافقين" " ش"
وعاد "أبو العاص" إلى مكة ، ليجهز زوجه الحبيبة لتلحق بأبيها المصطفى ، وفاء بالوعد الذى قدمه ، حين أسَرَّ صلى الله عليه وسلم إليه ، أن الإسلام فرق بينه وبين زوجه.
وكان الفراق قاسياً صعباً ، وقد خانه تجلده يوم رحيلها ، فترك أخاه "كنانة بن الربيع" يصحبها إلي خارج مكة. حيث كان زيد بن حارثة في انتظارها.
وانطلق "كنانة" يقود بعيرها نهاراً وقد أخذ قوسه وكنانته متأهباً ، فهال قريشاً أن يخرج بها هكذا في وضح النهار على مرأى منهم ومسمع ، وخرج بعضهم في أثر المهاجرة حتى أدركوها بذى طوى ، فكان أسبقهم إليها "هبار بن الأسود الأسدى" الذى روعها بالرمح ، وقد جُن حزنه علي إخوة له ثلاثة صرعوا جميعاً في بدر بأيدى أصحاب محمد.
ونخس البعير ، فألقي بزينب على صخرة هناك. وعندئذ برك "كنانة ابن الربيع" دونها ونثر كنانته وهو يزأر متوعداً:
-
والله لا يدنو منها رجل إلا وضعت فيه سهماً.
فتراجعوا ، ووقف أبو سفيان بن حرب بعيداً يقول لكنانة:
-
كف عنا نبلك حتى نكلمك.
فكف كنانة ، ودنا أبو سفيان منه فقال:
-
إنك لم تصب يا ابن الربيع: خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد ، فيظن الناس أن ذلك عن ذلّ أصابنا وأن ذلك منا ضعف ووهن. ولعمرى ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، ولكن ارجع بها حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها ، فتسلل بها سرّاً فألحقها بأبيها.
فكبر على "كنانة" أن يردها ليعود فيتسلل بها سراً بعد أن يذاع في الناس أن قد ردتها قريش ... وهم ليمضي بها ، فراعه أن رآها تنزف دماً ، وقد طرحت جنينها على أديم الصحراء!
وعاد بها إلى مكة ، حيث سهر أبو العاص علي رعايتها وتمريضها لا يفارقها لحظة من ليل أو نهار. حتى إذا استردت بعض قواها ، ودعها للمرة الثانية وداع محب مقهور. وخرج بها "كنانة" حتى بلغت مأمنها ...
ولم يتبعها فى هذه المرة طالب ، بل أغمض الذين طاردوها بالأمس أعينهم ، وقد ركبهم الخزى والعار من قول هند بنت عتبة تعيرهم ، وتذكرهم بهزيمتهم في بدر:
أفي السلم أعيارٌ ، جفاءً وغلظة .. وفى الحرب أشباه النساء العوارك؟
استقبلت دار الهجرة بنت المصطفى بترحاب بالغ ، شابت فرحةً اللقاء فيه سورة الغضب لما أصابها عند خروجها من مكة. وعاشت زينب في رعاية أبيها المصطفى على أمل لم يغلبها عليه اليأس قط: أن يشرح الله صدر أبي العاص للإسلام ، فيلتئم الشمل الممزق.
وكان عليها أن تنتظر ست سنوات طوال ليتحقق هذا الأمل الغالي ، ثم لا يكاد الشمل يلتئم حتى ترحل عن الدنيا بعد عام وبعض عام من إسلام أبي العاص ، فيكون فراق لا لقاء بعده على هذه الأرض ...
من يوم بدر تحددت موازين القوى وتقرر مصير المعركة العنيفة بين الإسلام والوثنية ، وإن طال مداها سنين عدداً وتعددت جولاتها بعد بدر حتى حسمت نهائيّاً بالنصر الأكبر يوم فتح مكة ، في السنة الثامنة للهجرة.
ومن يوم بدر ، تقرر كذلك مصير الصراع في جبهة أخرى أخطر وأضري من تلك الجبهة القرشية والمعركة فيها مكشوفة والأسلحة مألوفة معروفة.
لقد كان العرب القرشيون يقاتلون ببسالة دفاعاً عن أوضاع موروثة وتقاليد راسخة ، وغضباً لحرمة أسلافهم ، من حيث لم يهن عليهم أن يتصوروا أن أولئك الآباء الكرام ، من أمثال عبد المطلب وهاشم وعبد شمس وعبد مناف وقصي والمغيرة ، إلي فهر ومضر وعدنان ... كانوا على سفه وضلال.
وعلى مدى الأعوام العشرين التى استغرقتها المعركة بين المشركين العرب وبين المسلمين ، كان الإسلام يستقبل من يصغى من قريش إلى ما يتلو المصطفى من آيات معجزته ، فيؤمن برسالته ويبايعه على الإسلام والبذل والجهاد. وحزب الله الذى بدأ فجر المبعث ، في ليلة القدر من شهر رمضان ، بالمسلمة الأولى خديجة زوج المصطفى وأم المؤمنين ، ثم انضم إليه السابقون الأولون ، كان يستقبل كل يوم جندياً جديداً من الجبهة القرشية والعربية ، يعزه الله بالإسلام ويعز الإسلام به.
والمئات الثلاث من المجاهدين والأنصار الذين شهدوا بدراً تحت لواء المصطفي لم يلبثوا أن تكاثروا بمن انضم إليهم من العرب ، فدخل المصطفى مكة يوم الفتح في عشرة آلاف من الصحابة ، فيهم من كان قبل أن يشرح الله صدره للحق ، أشد الناس عداوة للإسلام وحرباً للمصطفى والذين آمنوا معه. والذين تأخر إسلامهم إلى عام الفتح ، وغزوة حنين بعده ، لم يلبثوا أن خرجوا مع الكتائب المجاهدة في معارك الفتوح الكبرى التى حملت لواء الإسلام إلى أقصي المشرق وأقصى المغرب.
**********
عزيزى القارئ:
_________
طوى: ضم أو لف الشراع علي بعضه - البلاد طولاً أو عرضاً - أمناه - جاع - جاوزه - اسم جبل
نخس: طعن - أصابه بناخس "ضاغط" أو عود يصيب البعير فى إبطه
كنانته: جعبة صغيرة من جلد لوضع السهام - غطاء .. "الكنانة" أو كنانة الله في أرضه المقصود بها "مصر"
أعيار: جمع عار - كل ما يعير به الإنسان من فعل أو قول أو يلزم به سُبَّة سلوك مشين
العوارك: جمع عارك - انكسرت نخوته - دارت عليهم الحرب - حَكَّه حتى محاه
عزيزى القارئ:
_________
توضح لنا د. "بنت الشاطئ" مدى الوفاء بالوعد من "أبو العاص بن الربيع" لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بعد نزول أمر الله بالتفريق بين المسلمة وزوجها المشرك .. وذلك رغم مدى ارتباطه الوجدانى بزوجته السيدة "زينب بنت المصطفى" رضى الله عنها وصلوات ربي وسلامه عليه .. كذلك التصرف المخزى من كفار قريش في اعتدائهم بوخز البعيروتسببهم في سقوطها علي صخرة مما تسبب في إجهاضها علي رمال الصحراء وعودة أخو زوجها "كنانة بن الربيع" بها لمكة مُرغماً .. وكيف رعاها زوجها حتى استردت بعض قواها حتى تقوى علي رحلة الرحيل للمدينة امتثالاً للوعد وأمر الله .. وكانت تربطها بزوجها عاطفة قوية وصلة رحم ومعاشرة لدرجة أنها لم ترضي بغيره وكلها أمل أن ينشرح قلبه للإسلام .. لمدة ست سنوات .. ولابد أن أذكر أنه وقت نزول الوحى علي نبينا الحبيب سيدنا "محمد" عليه أفضل الصلاة والسلام كان "أبو العاص" برحلة تجارة بالشام وعند عودته كانت زوجته ووالدتها أم المؤمنين "خديجة" رضي الله عنها وسيدنا "أبو بكر" وسيدنا "على بن أبي طالب" رضي الله عنهم وغيرهم قد لبوا الدعوة للإسلام .. وعندما أخبرته أن الوحى قد نزل على والدها بالدين الجديد ليسلم إلا إنه رفض وأبي خشية أن يقول عنه القرشيون أنه تبع أهل زوجته .. ورغم أن الرسول عليه الصلاة والسلام فك أسره إلا أن المسلمين الذين كانوا يحرسون الطريق حول المدينة أسروا قافلة كانت عائدة من رحلة تجارة تصادف أن كان "أبو العاص" من ضمن أفرادها .. وفي موقف رائع عندما ذهب لبيت زوجته حفظت له العشرة وأنه والد ولديها .. وكان والدها بالمسجد لأداء صلاة الفجر .. صاحت قائلة أنها أجارته وقد قبل رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم إجارتها له بشرط ألا يقربها لأنها أصبحت محرمة عليه .. فعرضت عليه مرة أخرى أن يتبعهم للإسلام فرفض .. وأخذ ماله ومال الناس الذين كان يتاجر لهم وعاد لمكة وأعطى كل ذى حق حقه وسألهم هل بقي لأحد شئ فقالوا "لا" .. فنطق الشهادتين ثم توجه للمدينة وطلب من والدها أن يردها إليه ولم تمانع بعد أن عرض نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم عليها الأمر .. ولكنها رحلت عن الدنيا بعد ذلك بعام وقليل .. وحزن عليها حزناً شديداً لدرجة أن حبيبنا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه كان يهون عليه ويواسيه .. ومن شدة حزن "أبو العاص" على سيدتنا "زينب بنت المصطفي" رضي الله عنها رحل بعدها بحوالى عام .. أى أخلاق وإخلاص وود هذه .. تفاصيل تستحق التوقف عندها وتأملها .. رضى الله عنهم جميعاً ..
ولم أستطع أن أمنع نفسي من التوقف عدة مرات من لقاءات سابقة واليوم عند تعبير: حزب الله .. وشتان ما بين معناه في عصر المبعث والآن!
وفي تفاصيل ما ذكرته لنا د. "بنت الشاطئ" تركز على جبهة الوثنية القرشية وقفزت بنا عدة أعوام لتصل لعام فتح مكة لتقارن بين عدد المجاهدين والأنصار يوم بدر "نحو ثلاثمائة" أما يوم الفتح أصبحوا "عشرة آلاف" من الصحابة .. #سبحان_الله_المُعز.. لتستعرض لنا في اللقاء القادم بإذن الله الجبهة الخبيثة لأعداء البشر والتى لها الخطر الأكبر .. بمشيئة الرحمن إذا كان في العمر بقية.
عزيزى القارئ:
_________
في قصة زواج سيدتنا "زينب" يعلمنا رسولنا الخاتم كيف تستأذن الفتاة .. وستستمع لتفاصيل أخرى في رابط الفيديو التالى .. وتوقفت كثيراً عند مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخبرونى عمن يكرهنى أو يتكلم عنى .. اتركونى أحب الجميع وأظن الجميع يحبنى .. لا تنقلوا لي شيئاً عن أصحابي .. فإنى أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر" .. ما أسماها وأروعها من كلمات .. فعلاً .. بُعثت رحمة للعالمين.
مدة الفيديو 12:39 دقيقة
اللهم صلِّ على سيدنا "محمد" عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمى بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين وعلي آله وصحبه وسلم

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق