الخميس، 28 مارس 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 77


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 31 -
" مسجد المهاجر وبيته " و"موازين القوى" و"الإسلام في الجبهات الثلاث: مع عصابات يهود ومع الوثنية القرشية ومع المنافقين" " س"
" المدينة" تهدر بالغضب والقلق والترقب ...
والمصطفى هناك قد أخذ مجلسه بين أصحابه في مسجده ، وما يدرى أحد خطوته التالية ...
وفجأة ، تعلقت الأبصار برجل ، يشق طريقه في زحام الناس حتى يصل إلى مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام ، فيقف عليه ، ويلتقط أنفاسه من سفر بعيد.
وعرف المهاجرون فيه "عمرو بن سالم الخزاعى".
وانتظروا ماذا يكون من أمره ، فانصرف عمرو عنهم وابتدر المصطفي ينشده مبتدراً:
يارب إنى ناشد محمدا ................ حِلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتمُ ولداً وكنا والدا .............. ثُمَّتَ أسلمنا فلم ننزع يداً
فانصر هداك الله نصراً أعتدا ....... وادع عباد الله يأتوا مدداً
فيهم رسول الله قد تجردا ........... إن سيم خسفاً وجهُه تربداً
في فيلق كالبحر يجرى مزبدا .. إن قريشاً قد أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا ......... وزعموا أن لستُ أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا ................... هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا وكعاً وسجدا
قال عليه الصلاة والسلام:
"
نُصرت يا عمرو بن سالم"!
ثم قام يتجهز لفتح مكة ...
الوقت مساء ...
والمدينة ساهرة تحتشد للتعبئة ، وقد أوشك جند الإسلام علي المسير إلى مكة.
ووافد من مكة ، جاء يسعى حثيثاً حتى بلغ بيت أم المؤمنين "رملة ، أم حبيبة بنت أبي سفيان" في دور النبي المحيطة بمسجده.
واستأذن فدخل ، وأم المؤمنين لا تكاد تصدق أنه والدها "أبو سفيان ابن حرب"!
هل جاء مبايعاً ، بعد أن طال ضلاله وأهلك قومه؟
لو كان قد جاء مسلماً ، لما تردد في أن يعجل إليها بالبشرى ، فيضع حدا لما كابدته من هم ، في موقفها الصعب بين زوجها وأبيها! .. وقد كان الموقف صعباً.
من قبل أن تشرف "رملة" بالزواج من المصطفي. آمنت به نبياً مع زوجها الأول "عبيد الله بن جحش" وهاجرت معه إلي الحبشة. فلم يلبث أن ارتد عن الإسلام ، وتركها تكاد تموت بقهرها ، لولا أن واساها عليه الصلاة والسلام ، وشرفها بأن أرسل إلى ابن عمه "جعفر بن أبي طالب" فخطبها إليه في بلد النجاشي.
وعادت من مهاجرها مع جعفر ، يوم فتح خيبر ، وأخذت مكانها الرفيع في بيت النبى ، فما كانت امرأة أعز منها بزوج وأشقي بأب!
فإن لم يكن أبوها قد جاء من مكة مبايعاً ، فلعله موفد من مشركى قريش ، يتوسل بابنته إلى زوجها نبي الإسلام ، ليجدد الهدنة التى نقضها القرشيون!
وانتظرت أم المؤمنين ، لم تدعً أباها إلي الجلوس حتى تعلم فيم جاء!
وتقدم هو من تلقاء نفسه ، فهمَّ بالجلوس على فراش هناك ، فسبقته إليه أم المؤمنين وطوته عنه.
سألها وهو يتجاهل مغزى ما فعلت:
-
يا بنية ، ما أدرى أرغبتِ بي عن هذا الفراش ، أم رغبت به عنى؟
فما راعه إلا أن أجابت:
"
بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس علي فراشه صلى الله عليه وسلم".
قال أبو سفيان مقهوراً:
-
والله يا بنية ، لقد أصابك بعدى شر!
وخرج بحسرته ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، مع جمع من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعمر.
ووقف بين يدى المصطفى ، يعتذر عن قريش ويسأله أن يستبقي الهدنة ، فما رد عليه المصطفى بكلمة.
واتجه أبو سفيان إلي الصديق أبي بكر ، يرجوه في أن يكلم النبى عليه الصلاة والسلام ، فما زاد الصديق علي أن قال: " ما أنا بفاعل!".
والتمس أبو سفيان الشفاعة عند الرسول ، من عمر بن الخطاب ، فكان رد عمر:
"
أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله لو لم أجد إلا الدرَّ لجاهدنكم به!".
ونقَّل أبو سفيان بصره فى القوم ، فما وجد إلا الصد والجفاء.
وقاوم يأسه ، فخرج متعثراً في حيرته حتى بلغ بيت "على بن أبي طالب" صهر المصطفي وابن عمه ، فقص عليه ما كان من أمره مع ابنته رملة ، ثم مع الرسول وصاحبيه أبي بكر وعمر.
وقال يستنجد بابن أبي طالب ، ويذكر جدهما "قصي بن كلاب" والد عبد مناف وعبد شمس:
-
يا على ، إنك أمَسُّ القوم بي رحِماً ، وإنى قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لى إلى صهرك وابن عمك".
رد على:
"
ويحك يا أبا سفيان ، والله لقد عزم الرسول صلى الله عليه وسلم علي أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه".
فالتفت أبو سفيان إلى "الزهراء" وكانت حتى هذه اللحظة صامتة لا تشارك في حجيث ، فقال لها وهو يشير إلى ابها "الحسن بن على" سبط النبي:
-
يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمرى بُنَيَّكِ هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟
ردت الزهراء:
"
والله ما بلغ بُنىَّ أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ولم يبق إلا أن ينصرف ...
غير أنه لم يكن يدرى إلى أين ، وقد أوصِدت الأبواب فى وجهه. وتمهل برهة فقال لعلى:
-
يا أبا الحسن ، إنى أرى الأمور قد اشتدت علىَّ ، فانصحنى.
قال على:
- "
والله ما أعلم لك شيئاً يغنى عنك شيئاً ، ولكنك سيد في بنى كنانة ، فقم فأجر بين الناس ثم ألحق بأرضك".
سأله:
-
أو ترى ذلك مغنياً عنى شيئاً؟
فرد علىّ:
"
لا والله ما أظنه ، ولكنى لا أجد لك غير ذلك".
**********
عزيزى القارئ:
_________
مرتجزا: قصيدة من بحر الرجز - ضرب من الشعر ووزنه - أنصاف أبيات أو أثلاث - تعاطوا بينهم - سمع له صوت متتابع
الأتلدا: قديم - أصيل - كان ذا مال تالد - من ولد بالعجم فحمل صغيراً فنبت ببلاد الإسلام - فرخ العقاب - أصيل
ثُمِّتَ: حرف/أداة: حرف عطف يفيد الترتيب والتراخى في الزمن أصله ثم وزيدت عليها التاء - أصلحه - وقاه - قلعنه بفمها - مسحها به - أهمله الليث
سيم: جمع سومة وسيمه - علامة - آمنون - يقال أنها كلمة حبشية فقد قال النجاشي للمهاجرين لأرضه "امكثوا فأنتم سيوم بأرضي" أى آمنون
خسفاً: غارت بما عليها - اختفي بداخلها - غيبهم فيها - ذهب ضوءه كله أو بعضه
تربدا: تعبس - تغيمت - امتلأت بالغيوم - نغير لونه
فيلق: الكتيبة العظيمة من الجيش - كتيبة أو جماعة أو فريق - رجل عظيم - الأمر العجب - الجمع فيالق
مزبدا: قاذف الزبد من فمه - مخضه ليخرج زبده - مكان إنتاج الزبدة أو محل بيعها - البحر هائج ويقذف الزبد
هجدا: سهر الليل - صلى بالليل - نام الليل - أيقظه - نومه
حثيثاً: يطلب الليل النهار طلباً سريعاً - مسرع الخطى - سريع جاد في أمره - آية 54 من سورة الأعراف
أرغبتِ بي: جعلها ترغبه وتطلبه - أوسعته
رغبت به: طلبته - احتاجته - أيسر وكثر ماله
الدرَّ: فاض وسال الدمع أو الدم بغزارة - الدم
ويحك: كلمة ترحم وتوجع - بمعنى المدح والعجب - كلمة رحمة وعذاب - وقيل أنهما بمعني واحد
سبط: ولد الابن والابنة = سبطا النبي صلى الله عليه وسلم حفيداه "الحسن والحسين" - شجرة لها أغصان كثيرة وأصلها واحد - كثر واتسع - طال واسترسل
عزيزى القارئ:
_________
تسرد لنا د. "بنت الشاطئ" باقي آثار معركة مؤتة ونقض قريش للعهد وحلفها مع المسلمين والمدينة لازالت غاضبة قلقة مترقبة لا تدرى ما خطوة النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه التالية .. فإذا ب "عمرو بن سالم الخزاعى" ينشد أبياتاً من الرجز بصوت جهورى مستنجداً ومستنطراً بالنبي صلوات ربي وسلامه عليه .. مادحاً أصله الأصيل الطيب الممتد ذاكراً بالماضي من كان صغيراً وهو الوالد ووقاه النبت الأول واسلامه بعد زمن .. داعياً بالنصر المبين والمدد الكثير .. فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن اختفي أمنهم وقد تغير لونه .. فإن الكتيبة العظيمة من الجيش كالبحر الذى يجرى وعلي أمواجه الزبد فإن قريش نقضوا معك العهد والميثاق المؤكد منك وزعموا ما زعموا فيك وفينا .. وعيرونا وهم الأذل والأقل عددا وقد بيتونا بالطريق الملاصق للجبل وقتلونا ونحن راكعين ساجدين .. فدعا له نبينا الهادى صلى الله عليه وسلم بالنصر .. وبدأ التجهيز لفتح مكة .. وبذلك نتأكد من تأثير سلاح الكلمة سواء بالسلب أو الإيجاب
وسردت لنا موقف أمنا "رملة أم حبيبة بنت سفيان" من أبيها الكافر الضال .. رضي الله عنها .. وكيف أنها كانت من المهاجرات للحبشة وكيف ارتد زوجها عن الإسلام وكيف واساها وشرفها الرسول صلى الله عليه وسلم فى مصيبتها بالزواج منها .. ورفضها ونبينا صلى الله عليه وسلم والسيدة "فاطمة الزهراء" رضي الله عنها وعدد من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً أن يجيروه ويبقوا على الهدنة التى نقضها كفار قريش .. وختمت بما أشار به سيدنا "علىّ" رضي الله عنه وكرم وجهه عليه.
عزيزى القارئ:
_________
إليك رابط فيديو عن الذى قاله "هرقل" عن سيدنا "محمد" رسول الله صلي الله عليه وسلم والحديث الذى دار بينه وبين "أبو سفيان بن حرب" .. عندما وصله أحد رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعوهم فيها للإسلام كحكام وملوك .. مدة الفيديو .. 7:22 دقيقة
وكذلك رابط فيديو لأبيات "عمرو بن سالم الخزاعى" مستنصراً لرسول الله .. الفيديو مدته 1:22 دقيقة
اللهم صلِّ على الهادى البشير القمر المنير المبشر النذير من بالصلاة عليه يحل كل أمر عسير صلاة نرجو بها عفو العلي القدير

فريق مصر أم الكون


خديجه حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق