الأحد، 31 مارس 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 79


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 33 -
" ودخل الناس فى دين الله أفواجاً" "ب"
استغرقت هذه الأحداث الكبار ، ما بين غزوة مؤتة وفتح مكة وغزوة حنين ، شهور السنة الثامنة للهجرة ، من جمادى الأولي إلى ذى القعدة.
واعتمر المصطفى وعاد إلي المدينة كوعده للأنصار ، فأقام بها إلى آخر صفر من سنة تسع ، وقد نجم النفاق هناك وكثر الحديث عن "مؤتة" يلوك المنافقون فيه ما كان من غلبة الروم ، ويتندرون بسذاجة الآلاف الثلاثة من المسلمين ، يطمعون في منازلة الإمبراطور هرقل ، في مائة ألف من جنده!
وآن الأوان لتطهير دار الإسلام من جيوب النفاق التى كانت تهدده في الصميم ، بعد أن انتصر على الكفار من العرب والأعداء من يهود.
لقد كمن السم في أول الأمر ، وإن ظهرت بوادر منه في مثل إصرار "عبد الله بن أبيِّ بن سلول" على أن يجير مواليه من يهود بنى قينقاع ، ثم نشاطه الخبيث في فرية الإفك الذي تولي كبْرَه.
وتتابعت البوادر مع ثقل أعباء الجهاد وتكاليفه ، فى غزوة الأحزاب ، وغزوة مؤتة ، ويوم حنين ، منذرة بأشد الخطر ، من حيث يخالط المنافقون الجنود المؤمنين ، ثم لا يملك أحد أن ينفيهم عن الإسلام وهم يتظاهرون به ويشهدون بألسنتهم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، يحقنون بهذه الشهادة دماءهم ويعتصمون بها من أن يرجمهم مؤمن بلعنة الردة.
والنوايا لله ، هو وحده الذي يعلم سرهم ونجواهم فليس للرسول إلا أن يَكلهم إليه سبحانه ، يحمى دينه منهم ويكشف المستور من كفرهم.
وقد جاءت "غزوة تبوك" فمزقت أقنعتهم ، بعد أن توالت النذر منبهة إلى أن التفاق قد تمكن من مرضي القلوب حتى صار داء عياء لا يجدى فيه غير البتر والتطهير.
في مستهل رجب من الستة التاسعة للهجرة ، أمر المصطفي أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، تثبيتاً لجند الله في لقاء عدو مرهوب ، وليزيل التهيب الذى تركته التجربة الأولى في مؤتة.
وأراد الله سبحانه أن تكون هذه الغزوة امتحاناً لإيمان المؤمنين ، وفاضحة لزيف المنافقين المحسوبين على الإسلام زوراً وادعاء.
ولم يكن من عادة الرسول القائد ، أن يصرح بوجهته في كل مرة يخرج فيها بأصحابه للجهاد ، بل يكتفي بالتكنية عنها ، تدريباً لجند الإسلام على الامتثال لأمر الله والرسول.
لكنه في هذه المرة ، صرح بوجهته لم يُكَنِّ عنها ، لبُعْد المسير وشدة الوقت وكثرة العدو الذي يصمد له ، حتى يتأهب المسلمون لذلك أهبتهم.
وذلك في زمان من عسرة الناس وشدة من الحر ، وحين طابت الثمار بعد جدب ، فطاب للناس المقام في ثمارهم وظلالهم.
وبدأ المنافقون منهم ينتحلون الأعذار للتخلف والقعود ، حتى إن أحدهم ليقول للمصطفى:
-
يا رسول الله ، أو تأذن لي ولا تقتنى؟ فوالله لقد عرف قومى أنه ما من رجل بأشد عجباً بالنساء منى ، وإنى أخشي إن رأيت نساء بنى الأصفر -الروم- أن لا أصبر!
فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم وقال:
"
قد أذنت لك".
ومشي بعضهم إلى بعض ، يتواصون بالقعود قائلين: "لا تنفروا في الحر" زهداً فى الجهاد وشكا فى المصير ، وإرجافاً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانبث نفر منهم في أحياء المدينة يُخذِّلون قومهم ويقولون:
"
أتحسبون جِلاد بنى الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟"
ولكن هؤلاء وهؤلاء ، لم يبلغوا من التخذيل والإرجاف ، ما بلغته مكيدة كبيرهم "عبد الله بن أبي": لقد وجد اللعين فرصة العمر التى طال انتظاره لها ، فتظاهر بالتأهب للخروج ، وجمع إليه حشداً من شيعته أهل النفاق ومن اغتر بهم ، ثم ضرب عسكره على حدة وانتظر حتى تمت التعبئة للجهاد وخرج المصطفى بجنده من مكة ، وما يشك أحد فى أن "ابن أبي بن سلول" ماض وراءه بعسكره ، ولم يكن أقلَّ العسكرين!
لكن الخبيث تحرك ، لا إلى الشمال في طريق الجيش المجاهد ، وإنما انحاز بعسكره من أسفل مكة إلى الطريق المضاد!.
ومضي المصطفى بالمؤمنين من جند الإسلام ، وتخلف كل المنافقين ، وتخلف معهم نفر قليل من ذوى العذر ، ومن استثقلوا العبء ، عن غير شك ولا نفاق!
وفى الطريق لحق بالمصطفى من لم يطيقوا القعود ولهم عذر فيه ، منهم اثنان من البكائين ، وهم سبعة من الصحابة التمسوا من رسول الله أن يحملهم وكانوا أهل حاجة ، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا أجد ما أحملكم عليه".
فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون.
وحدث أن مر اثنان منهم بابن عمير بن كعب النضرى ، وهما يبكيان فسألهما عن أمرهما فقالا:
-
جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه.
فأعطاهما بعيراً له ، وزودهما شيئاً من تمر ، فارتحلا البعير ولحقا بجند المصطفى!
وكذلك لحق بهم من صحا ضميره من غفوته ، فكره أن يقعد مع القاعدين وليس من أهل النفاق.
في الخبر أن "أبا خيثمة الأنصارى مالك بن قيس" رجع ذات يوم حار بعد مسير الرسول بأيام. فوجد امرأتين له في عريشين ببستانه ، قد رشت كل منهما عريشها وبردت له فيه ماء ، وهيأت له طعاماً. فلما رأى ذلك كله أنكره وقال يحدث نفسه:
-
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ، فى ماله مقيم؟ ما هذا بالنصف!.
ثم التفت إلى امرأتيه وقال:
-
والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لى زاداً.
وركب راحلته ، وخرج يغذ السير حتى لحق بجند الإسلام في تبوك.
وفى الطريق أيضاً ، تخلف الرجل بعد الرجل ، ممن خرجوا في أول الأنر مكرهين ، ثم استثقلوا مشقة السفر وعبء الجهاد.
ويقول الصحابة للمصطفى وهو ماض في طريقه إلى وجهته:
-
يا رسول الله ، تخلف فلان ...
فيقول عليه الصلاة والسلام:
"
دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم. وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه".
حتى قيل له مرة:
-
يا رسول الله ، قد تخلف "أبو ذر" وأبطأ به بعيره.
فقال المصطفى ، مثل ما كان يقوله في الرجل يتخلف.
لكن أباذر لم يتخلف مختاراً ، وإنما خذله بعيره بعد أن أبطأ به ، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن أخذ متاعه فحمله على ظهره ، ومشي يتبع أثر الركب المجاهد. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منزل ببعض مراحل الطريق ، نظر ناظر من المسلمين فلمح من بعيد شخصاً يمشي ، فقال:
يا رسول الله ، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ،قال عليه الصلاة والسلام وهو ينظر إلى الجهة التى يشير إليها صاحبه:
"
كن أبا ذر".
فلما تأمله القوم ، قالوا: يا رسول الله ، هو والله أبو ذر!
ورد المصطفى: "رحم الله أبا ذر" ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ..."
**********
عزيزى القارئ:
_________
نجواهم: ما يتناجى به الناس ويتحدثون به - ما يتناجون به من المطاعن في الدين - تناجيهم فيما بينهم
عياء: الاصابة بتعب شديد وبعجز
تكنية: تسميته
إرجافاً: إحداث الخوف والرعب في نفسه - الخبر الكاذب المثير للفتن والاضطراب - رعباً وخوفاً - الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن بقصد إيقاع الناس فى الاضطراب
انبث: انتشر وعم - ترسخ - تفرق وانتشر
الضح: الشمس - ما طلعت عليه الشمس وجرت عليه الريح من الأرض - ما أصابه الشمس - صفة تدل على الثبوت من ضحى
عزيزى القارئ:
_________
تواصل معنا د. "بنت الشاطئ" عن أثر المنافقين في عزيمة وهمة المسلمين المؤمنين .. فهم مسلمون بألسنتهم فقط .. ولا يعلم نواياهم إلا الله سبحانه وتعالى خاصة بعد غزوة الأحزاب ومؤتة وحنين .. وكانت غزوة تبوك الغزوة التى أسقطت أقنعتهم وكشفتهم على حقيقتهم مرضي القلوب والنفوس .. وكانت المرة الوحيدة منذ بداية الدعوة التى يكشف فيها نبينا الكريم بوجهته لملاقاة الروم كثيرو العدد والعتاد .. ليتبين الخبيث السئ من المؤمن المجاهد في سبيل الله ودينه .. وليتبين ذوى الهمم المخلصة من القاعدين المنافقين .. وضربت لنا أمثلة عديدة لمن صمم على المسير والجهاد رغم انعدام الزاد والعتاد .. ولمن تخلف رغم قدرته على الجهاد .. وأكثر ما توقفت عنده من فاضت أعينهم من الدمع حزناً أنهم لم يجدوا ما ينفقون ومساعدة ابن عمير بن كعب النضرى لهما للحاق بجند المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وكذلك إصرار سيدنا :أبي ذر" على مواصلة المسير للجهاد رضي الله عنه .. ودعوة رسولنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
عزيزى القارئ:
_________
إليكم رابط فيديو عن غزوة تبوك بإختصار موضح بخرائط ورسوم مبسطة .. وسبب تسمية هذا الجيش بجيش العسرة .. وقد أمضى الرسول صلوات ربي وسلامه عليه بعيداً عن المدينة 50 يوماً منهم 20 يوماً بتبوك .. وأنها كانت حرب بلا قتال أى أن الله كفي المؤمنين شر القتال ولكنها كانت كاشفة للمنافقين .. الخ .. الفيديو مدته 2:35 دقيقة.
أم إذا كنت تريد المزيد من التفاصيل لهذه المعركة فإليك الرابط التالى .. بخرائط و وآيات قرآنية وأحاديث .. والهدف كان تبليغ رسالة الإسلام خارج جزيرة العرب .. وكيف كان سيدنا "عثمان بن عفان" رضي الله عنه أكثر المنفقين على "جيش العُسرة" .. أترككم مع باقي التفاصيل .. والفيديو مدته 31:22 دقيقة.
اللهم صلِّ على سيدنا "محمد" تخرجنى يا الله بها من ظلمات الوهم وتكرمنى بنور الفهم إنك أنت الأعلم ولا أعلم إنك علام الغيوب وعلي آله وصحبه وسلم

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق