توقفنا فى الحلقه الماضيه على طريقة معاملة المماليك الأتراك
للمصريين أصحاب البلد واليوم سنستكمل معكم ماتوقفنا عنده مع حضراتكم
بلغ من غلظة المماليك وفظاظتهم وعمههم فى الضلال والطغيان أن
يدخلوا الديار فى وقت الظهيره ليختطفوا منها نساء العرب وكأنما أرادوا أن يبسطوا
العنان فى الموبيقات فكانوا يسلبون التجار أموالهم ويهددون حياتهم مما أفضى
بالتجار إلى الفرار من وجوههم حتى أن الأسكندريه والقاهره قد خلتا من تجارتهما
الذين أقروا العافيه فولوا هاربين من بطش المماليك الظالمين المعتدين
للأمر وجها آخر ينبغى لنا أن ننظر فيه لأن العرب لم يقفوا من
المماليك على الدوام موقف الخضوع والخنوع ولنا أن نقول أن العرب إجمالاً فى عصر
المماليك كانوا على الدوام يقيمون ثوراتهم ويعلنون تمردهم على ما كانوا يتمتعون من
إقطاعات شاسعه وأستقلال محلى ووراثه لمشيخات ولا عهد للمماليك ولا السلاطين بمثل
هذا كله فكثيراً ما أثاروا الفتن وعارضوا السلطه المملوكيه بأعنف ما تكون المعارضه
فقد كانوا يكنون لهم أشد الكراهيه العنصريه ولهذه الكراهيه أصول بعيده فى نفوسهم
ترجع إلى عصر المعتصم العباسى الذى طرد العرب من ديوان الجيش ليحل الأتراك محلهم وكان
للعرب فرط إعتزاز بأنفسهم وفى رأيهم أنهم خير من أولئك الرقيق العبيد ويؤيد ذلك
قولهم أنا أحق بالملك من المماليك وحسبنا أن ناخذ من بنى أيوب وهم خوارج خرجوا على
البلاد كما قالوا نحن أصحاب البلاد
أما فى عهد الجراكسه فطالما شقوا العصا وتمردوا وتآمروا وفى
عام 875هـ أمر السلطان قايتباى بالقبض على شيخهم عيسى بن بقر وسجنه ولكن العرب أبوا
هذا الضيم فما أستضعفوا ولا أستسلموا بل أغاروا على القاهره فى العام التالى
وعبروا عن ثورة غضبهم وشدة سخطهم بنهب حوانيت الحسينيه وسلب الناس ثيابهم
فى عهد الغورى آخر سلاطين المماليك الجراكسه ثار سليمان بن
قرطام من مشايخ الشرقيه وجاهر بالعصيان بعد أن كثر جمعه وأستفحل أمره فأرسل إليه
السلطان جيشاً ثم قتله وسلخه وحشاه تبن وألبسه ثوباً وأركبه فرسا ليطوف به شوارع
القاهره غير أن قلوب العرب لم تنخلع رعباً بل واجهوا عنف السلطان بعنف أشد فحطموا
الجسور وتدفق الماء ليهلك الزرع والضرع كما ثار عرب البحيره ونهبوا محاصيل
المماليك عام 783هجريه وأقسم أحد مشايخهم أنه سوف لايمكن أرباب الدوله من جباية
الخراج فى الغربيه ولا البحيره
أما حكاية أبن مرعى وأخيه شكرى مع طومانباى فقد تخون هذان الاخوان
عهد السلطان وخفرا ذمته إلى العثمانيين الذين شنقوه ولقيا جزاءهما فشرب بعض
الجراكسه من دماءهما وقطعوا بالسيوف لحمهما فعلقوا رأسيهما فى عنق فرس السلطان
الذى كان يمتطى صهوته يوم لجأ إليهما وفى ذلك يقول إبن إياس أن عيال السلطان
طومانباى لما رأوا رأس حسن مرعى معلقا فرحوا وأطلقوا الزغاريد وتخلقوا بالزعفران
وهذا باعثا على القول بأن سواد الشعب من أهل مصر لم يكن لهم طاقه بمواجهة المماليك
فى جبروتهم وشدة بطشهم
أما العرب الخلص من أهل مصر الذين كانت لهم عصبيه ونزعه قبليه
فما أستأسروا ولا أستضعفوا بل غالبوا المماليك وجالدوهم شأن المدافعين عن وطنهم
الحامين لكيانهم الكارهين للغرباء الدخلاء
بعد أن سردنا لحضراتكم تفاصيل ومذابح أول الأتراك دخولاً لمصر ينبغى علينا قبل أن ننتقل لحقبة الأتراك العثمانيين أن نذكر للمتابعين أول إختلاط بين الأتراك والمصريين الذى نتج عنه تغيير ديمجرافى على مر العصور وكيف كان الزواج فى عصرهم
فى عصر مصر المملوكيه كان راغب الزواج يقصد الخاطبه لأنها تعرف كل حره وعاهره وكل مليحه بمصر والقاهره وذلك على حد قول المؤرخ إبن دانيال فى مخطوط طيف الخيال حيث كانت تتظاهر ببيع الطيب والبخور والمرايا وغير ذلك من لوازم النساء وجرت العاده أنه إذا رضى
الراغب فى الزواج بالمعلومات التى قدمتها له الخاطبه فإنه يسرع إليها ثانياً مقدماً لها هديه قد تكون قرط من الذهب ويرسلها من جديد إلى عائلة الفتاه لتبلغهم برغبته فى الإقتران بأبنتهم والمؤكد فى كل مالجأنا له من مراجع ومصادر تاريخيه أن الفتاه فى العصر المملوكى لم يكن لها أى رأى فى أختيار زوجها بل ظل الرأى الأول والأخير لوالدها وأحيانا تشاركه فى ذلك أمها
حرص أفراد طبقة المماليك على مصاهرة بعضهم لبعض حتى كانت بين
كثير منهم صلات متينه فيذكر المقريزى أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون زوج 11 من
بناته للأمراء المماليك ويتضح من هذا أن طبقة المماليك لم يحاولوا الزواج من أهل
البلاد المصريين كذلك قرر السلاطين أمراً للقضاه والشهود ألا يعقد أحد منهم قران
مملوك من مماليكه إلا بإذنه وهناك حالات نادره لاختلال هذا النظام كما حدث فى أيام
الظاهر برقوق 1382 _ 1399 م
عندما رخص للمماليك سكن القاهره والأختلاط
بأهلها فنزلوا من الطباق من القلعه وتزوجوا نساء أهل المدينه وأخلدوا إلى البطاله
والجدير بالذكر أن عقد القران ودفع المهر والصداق كثيراً ما كان يتعرض لمساومات
ومناقشات عديده بين الطرفين ويبدو أن العريس كان يئن دائماً من الصداق كما جرت
العاده أن يدفع جزء من المهر مقدماً قبل عقد القران وكان الباقى مؤخر الصداق
مؤجلاً كما يفهم من أغلب عقود الزواج التى عثر عليها من هذا العصر وقد حرص مؤرخين
تلك الفتره على إثبات المبالغ الباهظه التى أعتادت طبقة المماليك أن تدفعها لنساء
هذا العصر مما يدل على المكانه الرفيعه التى أحتلتها المرأه فى عصر سلاطين
المماليك
كان المحلل (( الذى يحلل زوجه مطلقه لمطلقها )) فى العصر المملوكى بمثابة وظيفه يتفرغ لها بعض الرجال يقفون على أبواب الشهود أو المؤذنون أو مكاتبهم فى الشوارع فيأتى الذى طلق زوجته ثلاثاً إلى مكتب الشاهد ومعه طليقته فيدله الشاهد على أحد الرجال الواقفين ببابه ليكون المحلل فيتفق المطلق (( الزوج السابق )) مع المحلل على الأجره ويدفعها له ثم يدخل الـ 3 مع ولى الأمر على الشاهد وأعوانه فيعقد قران المطلقه على المحلل ويأخذ المحلل المرأه إلى خلوه قد أعدت خصيصا لهذا الغرض فيلتهم الزوجه جنسيا ويجلس فى إنتظارهما الزوج السابق وولى الأمر وبقية الشهود وبعد إتمام اللقاء الجنسى يأتى المحلل بالمرأه للشاهد أو المأذون ومن معه ليشهد أنه ( حللها ) فيشهد المحلل والزوجه باللقاء الجنسى الذى حدث بينهما ويقوم المحلل بطلاقها وتعود إلى البيت تنتظر إنتهاء العِده ليعيدها الزوج السابق لعصمته
هذا ما كان يحدث وذكره أبن القيم فى كتابه (( إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان )) حيث كان المحلل يمارس مهنته كبائعة الهوى أى يتزوج بدون تمييز ومع كثرة التطليق وكثرة زواج المحلل كان المحلل يتزوج أمرأه كان قد سبق له الزواج من أمها بنفس الطريقه فى بعض الأحيان أو أن يجمع فى زواجه بين أختين دون أن يدرى
تلك كانت لمحه عن الزواج فى مصر المملوكيه وكيف كان الرجل يعثر على شريكة حياته فى مجتمع سيطرت عليه التقاليد وأغلق أبوابه فى وجه المرأه ولم يسمح برؤية العروس إلا بعد الزفاف وكيف كون المماليك مجتمعاً مغلقاً خاصاً بهم فأنحصر زواجهم إما من نساء تركيات جئ بهن خصيصاً لهذه الغايه أو من بنات الأمراء ولم يتزوجوا من بنات مصر إلا فى القليل النادر
حلقتنا القادمه أعزائنا المتابعين مع الهجرات المغوليه
فأنتظرونا متى شاء الله وحلقه بُذل فى جمع معلوماتها مجهودُ وفير بعد أن تحصل هذه
الحلقه على 50 مشاركه فيسبوكيه
جنرال بهاء
الشامى
احسنت يا استاذنا
ردحذفمبدع دائماً تسلم ايدك يا مارشال تقبل تحياتى
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفتاريخ أسود
ردحذفأبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي (691هـ - 751هـ/1292م - 1350م) المشهور باسم "ابن قيّم الجوزية" أو "ابن القيّم". هو فقيه ومحدّث ومفسَر وعالم مسلم مجتهد وواحد من أبرز أئمّة المذهب الحنبلي في النصف الأول من القرن الثامن الهجري. نشأ ابن القيم حنبليّ المذهب؛ فقد كان والده "أبو بكر بن أيوب الزرعي" قيّماً على "المدرسة الجوزية الحنبلية"،(1) وعندما شبَّ واتّصل بشيخه ابن تيميّة حصل تحوّل بحياته العلمية، فأصبح لا يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء في المذهب الحنبلي إلا عن اقتناع وموافقة الدليل من الكتاب والسنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف، ولهذا يعتبره العلماء أحد المجتهدين.
ردحذفتلميذ ابن تيمية-رحمه الله-