يدفع المواطن العربي المسلم في بلاد المهجر ثمنا مضاعفا لغربته،
فإلى
حدود نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، كانت العنصرية
المتنامية
في أوروبا تشمل كل الأجانب على أساس الأصل أو العرق فكان الرفض
للقادم
من خارج أوروبا قائما على هذا الأساس فقط، حتى جرت أحداث الحادي عشر
من
سبتمبر المشهورة إلى الآن، فأعلن الرئيس الأمريكي بوش أنذاك وقتها
الحرب
على الإرهاب، ليجعل الكثيرين منها حربا على الإسلام.
فوتيرة الفكر العنصري ضد الإسلام يتصاعد بوتيرة عليا في العالم الغربي
ويتصاعد معه الخطاب المضاد للتمييز والدعوة إلى وقف العنصرية ضد
المسلمين, وتتضاعف معها أيضا ظاهرة الإسلاموفوبيا - الخوف المرضي من الإسلام في
الغرب والخوف من الجماعات العرقية التي ينظر لها على أنها إسلامية- ومن ثم
فإن الناظر للوضع الإسلامي في أوربا يقع نظره على المواقف المتعددة التي
تنهجها الدول الأوروبية تجاه الإسلام والمسلمين، في المظاهر المختلفة للحياة
الإجتماعية والسياسية والدينية، والتي يعد بعضها مصدرا للتفاؤل، بينما يعد
الجانب الأكبر منها أحد مصادر الشعور بالعداء والاضطهاد، والممارسات
العنصرية تجاه الدين الإسلامي.
وقد زاد الأمر سوءا خاصة في الفترة الأخيرة
خلال
الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا وبلجيكا، ففي هذه الأحداث لم
يسلم
المسلمون من ظلال الشك والريبة، وبدأ الحديث عن الإسلام كمادة أساسية
يومية
على صفحات الجرائد والقنوات الفضائية ولاننسى المواقع الإجتماعية
التي
لم تقصر في ردة فعلها تجاه المسلمين.
فمنذ هجمات باريس عانت الكثير من الجالية العربية
المسلمة في بلجيكا من العنصرية التي تصل إلى حد الإعتداءات، كما تلقت
العديد من المساجد أيضا بيانات تحمل تهديدات بالقتل ضد المسلمين، والعديد
العديد من الأحداث والصور اليومية التي تعيشها الجالية المسلمة هذا
بالرغم من قيام عدد من الناشطين بمجموعة من المبادرات للدعوة إلى عدم الخلط بين
الدين الإسلامي وبين الذين يرتكبون عمليات ارهابية باسم الإسلام
ويحاولون تشويه صورة المسلمين عمدا لدى الآخر على أنهم عدوانيون وإرهابيون.
ووفق عدد من الدراسات المتعلقة بالأقليات المسلمة في
البلدان الغربية تجمع على تواجد مشاكل ضخمة سواء أكان ذلك في المستوى
الاقتصادي أو الاجتماعي أو العقدي أو محو الأمية .. كما يواجه المسلمون في أوروبا التمييز
العنصري البغيض تقول دراسة لأحد الباحثين أن المسلمين في أوروبا يواجهون عقبة خطيرة في تقدم
مجتمعاتهم وتطورها، وهي عقبة التمييز العنصري، حيث توضح جميع الدلائل
المتوفرة أن التمييز العنصري الواسع الانتشار يمثل عاملا أساسيا يساهم في
ارتفاع نسبة البطالة بين الأقليات العرقية وفي نوعية الأعمال الضئيلة الدخل
التي يمارسونها. وهكذا نجد أن الغرب ينظرون إلى المسلمين في ديارهم
أن وجودهم غير مرغوب فيه، ففي هذا النحو المشحون بالكراهية والتربص أصبحت
الذهنية الغربية بل لنقل الاستراتيجية الغربية صراع وصدام لاتعايش و
وئام.
ومن ثم فإن مشكل التمييز وعزلة المسلمون العرب في بلاد المهجر جعل
المسلم أمام حربين الأولى مواجهة الإرهاب، والثانية إظهار حقيقة هذا الدين
وتناقضه مع الإرهاب وإزالة مخلفات هذه الظاهرة التي صعدت من ظاهرة
العنصرية تجاه الإنسان الشرقي في بلاد المهجر.
وبهذه الصورة اصبح الخطر على المسلم في الغرب ضعفان،
فهو مستهدف بالإرهاب من جهة، ومن جهة ثانية مستهدف من قبل المجتمع الغربي
كونه مسلما ويؤمن بنفس الدين الذي حاول هؤلاء الإرهابيون الإساءة له
وتوظيفه بطريقة بعيدة عن معتقدات هذا الدين الطاهر والداعي للرحمة بين كل
الناس بغض النظر عن ثقافاتهم وأديانهم.
وما يزيد الأمر تعقيدا ولو افترضنا أن هذه الجماعات المتطرفة هي
فعلا جماعات إسلامية، فلماذا إذا انكب العالم بدأ منهم برؤساء الدول إلى
الإعلام ثم إلى الرأي العام بهذه الأحداث التي لا تشكل 1 % من الحروب والأزمات
الإرهابية التي عاشتها الدول المشرقية منذ عقود، لماذا يتم تجاهل السياق التاريخي
الذي
اشتدت فيه هجمات الإرهاب والذي بدأ بالحرب الأمريكية الكارثية على
العراق،
وحوادث التعذيب التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في سجن "أبو غريب"، والتي
كانت من بين الأسباب الرئيسية في صعود تيارات التطرف التي تحولت فيما بعد إلى
إرهاب صريح؟ وقس على ذلك التاريخ الإستعماري الغربي الذي مارست فيه دول
أوروبية متعددة وفي مقدمتها انجلترا وفرنسا وإيطاليا، احتلالها
واستعمارها للعديد من البلدان العربية والإسلامية والإفريقية جرائم تعبر عن
إرهاب الدول المستعمرة.
فأين هي الحقيقة إذن من بين كل هذه الحقائق المتضاربة؟ ومن نحن هل نحن
أبرياء؟ أم مذنبون؟ أم مستغفلون ؟ وعلى من تقع المسؤولية هل تقع على عاتق
التنظيمات الإرهابية أم أنها في الأصل تقع على عاتق المجتمعات العربية
والإسلامية؟ أم أنه لا دخل لنا نحن العرب في كل هذه المشاهد الدرامية، نحن فقط
نمثل دور المشاهد الظريف إلى أن تنتهي السلسلة الأسطورية؟
فريق مصر أم الكون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق