الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

مع المصطفى فى عصر المبعث رقم 4

ولدته أمه في مكة يتيماً ، مات أبوه "عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم"في طريق عودته من رحلة إلى الشام ، وعروسه "آمنة بنت وهب" في الأشهر الأولى من حملها.


ومضي التاريخ لم يطل الوقوف بمكة مهد مولده ، وقد شغلته عن هذا الوليد الهاشمى اليتيم ، أحداث جسام كانت تجرى علي مسرح الدنيا في الثلث الأخير من القرن السادس لميلاد المسيح عليه السلام.


وراح يرصد نذر الإنهيار في عالم يريد أن ينقض ، ويتابع الجولات الأخيرة للصراع بين قطبي ذلك العالم القديم ، حيث كانت دولتا الفرس والرومان تخوضان حرباً طاحنة على مراكز السلطة والنفوذ ..


وإحدى الدولتين قد أعشت نار المجوسية بصرها ، فما عاد يعنيها سوى أن تجعل من ساحة الشرق كله معبداً لتلك النار تصلاها شعوب المنطقة بالعسف والإكراه ..
والأخرى قد أثخنتها جراح الحرب وهدّتْها أمراض الشيخوخة ، واستنزفت بقايا قوتها محنة الصراع الطائفي بين القائلين بناسوتية السيد المسيح والقائلين بلاهوتيته ، فتهاوى النسر الرومانى علي الأرض يجثم علي أنفاس خلق الله ، ويتسلط على مستعمراته بالإرهاب والطغيان ، في محاولة يائسة تستبقي له من الهيبة ما يستر وهنه ، ويعوضه عن قواه المستنزفة.
حتى بلغ ذلك اليتيم الهاشمى المكى الأربعين من عمره ، وتلقي رسالة الله في شهر رمضان بعد مولد السيد المسيح بستة قرون وبضع سنين ، فالتفت التاريخ إلي مكة ، وتوقف برهة ليجمع كل ما وعت ذاكرة الزمن عن ذلك المصطفي وآبائه وعشيرته ، وبيته وبلده ..
وعاد يصحبه من مهد مولده في دار أبيه عبد الله بجوار البيت العتيق ، إلي بادية بنى سعد حيث كانت رضاعته ، ثم يلتمس آثار خطاه إذ تمضي به أمه ، وهو غلام في السادسة من عمره ، إلي يثرب لتزيره قبر والده الثاوى هناك. ثم يفاجئها الموت في طريق الإياب فتدفن في ثرى الأبواء ، ويستأنف الصبي سيره حتى يصل إلي مكة ، حزيناً مضاعف اليتم.



وظل التاريخ معه يلتقط كل ماتركت خطاه على درب الحياة من آثار ، ويصغى إلي الأصداء الباقية من حركاته وكلماته ، ويستوعب ما كان من مواقفه ، لكى يكتب بها الصفحات الأولي من سيرة ذلك المصطفي الذى بدأ فجر المبعث ، يوجه سير التاريخ ويملى عليه فيكتب.



عزيزى القارئ:
--------------
المصطفى: اسم علم اختص به رسولنا الكريم الذى اختاره الله واصطفاه لتبليغ آخر الرسالات .. عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.



ينقض: يسقط ويرتمى وينهار ويتصدع أى ينهزم.
أعشت: جعلها ضعيفة البصر ليلاً .. ولعل الأمر بالأمر يذكر كلنا نعرف مرض العشي الليلي وهو عدم القدرة على الرؤية بوضوح في الليل أو في الضوء الضعيف حتى ولو كان الشخص مبصراً بالنهار وذلك نتيجة لنقص فيتامين "أ" في غذاء الشخص والذى يستعوضه الإنسان بكريات صيدلية صفراء تشيع بيننا بإسم زيت السمك أو نتيجة للعيش فترة طويلة في ظلام أو ضوء ضعيف.
أثخنتها: تكاثرت عليه وأثقلتها من الغلظة والصلابة وكثر فيهم.


يجثُم: ضغط وأثقل عليه ولزم مكانه فلم يبرحه أو التصق بالأرض أو حبسه ورماه حتى يموت.
ناسوتية: الناسوت تعنى الطبيعة البشرية ويقابلها اللاهوت بمعنى الألوهية.


العتيق: بمعنى القديم والكريم
البيت العتيق: الكعبة المشرفة أى بيت الله الحرام "اسم علم"
لتزيره: زيارة ودِّيَة بغرض التبرك
الثاوى: المقيم
الأصداء: اسم جمع صدى وهو رجع وانعكاس الصوت وهنا تقصد كاتبتنا الحسن والقيام على الشئ وتأثيره وشهرته.


عزيزى القارئ:
--------------
نجد أن كاتبتنا في السطور أعلاه وصفت لنا بأسلوب أدبي بديع مولد النبي الهادى صلوات ربي وسلامه عليه وفي مرور سريع كيف ذاق اليتم مرتين وفي مشهد متكامل لواقع العالم وقتها وأن الخلافات والإختلافات منذ القدم وكما وصفته بمسرح الدنيا وستتذوق جمال الكلمات بعد المرور على معانى بعض الكلمات التى تؤكد أن لغتنا لغة ثرية جداً
ومن عجب أنه كان هناك صراعات طائفية كأيامنا هذه والتى يؤججها من لا يريدون لنا خيراً سواء أحفاد الرومان أو أحفاد الفرس أو المنافقين من بنى جلدتنا ومنهم من يقتلوننا ونصفهم بالإرهابيين .. والإرهاب ليس سمة العرب فقط كما يريدون أن يقنعوننا ولكن من غيرالعرب أيضاً فماذا نقول عن الأورببيين وقتلهم الهنود الحمر واستباحتهم واستعبادهم للأفارقة وماذا نقول عن العثمانيين .. الخ .. والأعجب أن كان هناك قطبان فارسي ورومانى وما أشبه اليوم بالبارحة .. وإن كان عدد الأقطاب المتصارعة حديثاً قد زاد .. وكلهم من أجل السلطة والنفوذ والسيطرة علي الثروات والتحكم في الممرات ولكن بأساليب جديدة ابتكروها ويساعدهم خونة وعملاء من بيننا .. إنه الصراع الأبدى .. بين أحفاد قابيل وهابيل .. والتاريخ لا يتوقف عن التسجيل عن الجميع وللجميع.. ولعل الجميع يتعظ ويستوعب.


وأترك لك رابط فيديو مدته 2:03 دقيقة بصوت كاتبتنا "عائشة عبد الرحمن" "بنت الشاطئ" تذكر فيه سبب إتخاذها هذا الإسم .. الخ



اسمح لى أن أضيف نبذة عن السيدة الشريفة "آمنة بنت وهب" والدة خاتم المرسلين صلي الله عليه وسلم .. ربما من فترة لأخرى لندرة ما يذكر عنها إلا في عبارات نمطية .. "ولدت طفلة في ليلة كريمة في يوم لم يحدده التاريخ ، حوالى منتصف القرن السادس الميلادى إنها -آمنة- كانت سليلة أسرة جليلة من قبيلة تنحدر من سلالة نبي الله إسماعيل عليه السلام في تلك المنطقة المقدسة عند بيت الله الحرام هى قبيلة زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى ، ولا يقل نسبها من أمها عن جلال نسبها من أبيها. فأمها برة بنت عبد العزى بن عبد الدار بن قصي ، وجدتها لأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي.


وقبل أن أختم هذا اللقاء تذكرت بخصوص كلمة وردت أعلاه وتركت لكم معانيها .. أنه صلي الله عليه وسلم "نهى عن المُجَّثَمة" وهى الشاة التى ترمى بالحجارة حتى تموت .. أى نهى عن تعذيب كائن من كائنات خلقه بدون ذنب جناه .. يا لها من إنسانية .. وكما نهى عن أكلها وقد ثبت بالأبحاث أن لحوم مثل هذه الشاه ممرضة .. وإلى أن نلتقي في مشهد آخر إذا أراد ربي نقول معاً
اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق