الأحد، 23 ديسمبر 2018

مع المصطفى فى عصر المبعث رقم 7



ما الذى ألقي إلي بال خديجة وعلي لسانها ، يمثل تلك الكلمة الكبرى ، حين كانت الوثنية غاشية ، والعرب قبائل شتى والناس طوائف وأمم متناكرة؟


أهى من تعبير التاريخ الإسلامى عن إدراك أم المؤمنين الأولي أن لهذا الأمر ما بعده ، بمجرد أن سمعت زوجها المصطفي يحدثها عن أول الوحى؟


أم أن الكلمة تعبير عن واقع لن يكن قد انجلي تماماً بعدُ في تلك الليلة من رمضان ، أضافها الإخباريون المسلمون إلي حديث زوج المصطفي الأولى ، وظلوا يتناقلونها حتى وصلت إلى "ابن إسحاق" فى النصف الأول من القرن الثانى للهجرة ، فأثبتها ابن هشام في (السيرة النبوية)؟


لا أرى الكلمة غريبة علي الموقف ، فما كانت السيدة خديجة ، وهى من صميم قريش وجيرة الحرم ، بحيث يفوتها شئ مما ماجت به بيئتها قبيل المبعث من تطلعات إلى تحول خطير رنا إليه شعراء العرب وحكماؤهم ، وإرهاصات لكهانهم وحنفائهم عن نبي جديد حان مبعثه ، وتنبؤات برسالة سماوية جديدة تناقلها الرواة والسمار عن رهبان النصارى في الشام ونجران ، وأحبار يهود في شمال الحجاز.
ومكة علي الخصوص كانت المركز الذي تتلاقي فيه تلك الإرهاصات والتنبؤات ، وتتجمع روافدها من هنا ومن هناك ، لتصب حول البيت العتيق ، وتحوم حول حىِِّ بعينه من أحياء قريش هو حىّ بنى هاشم ، وترنو إلي شخص بذاته هو محمد بن عبد المطلب.


وقد كان لمكة من واقعها ورؤاها وذكرياتها ، ما تضيفه إلى تلك الإرهاصات الوافدة من شمال وجنوب وشرق:
بدأ المعروف من تاريخها الدينى بقصة فداء إسماعيل ، جد العرب العدنانية ومنها قريش ، حين رأى أبوه إبراهيم أنه يذبحه قرباناً لربه.
ونجا إسماعيل وعاش ليرفع ، هو وأبوه إبراهيم ، القواعد من البيت العتيق ، وطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود.


ومن ذلك الماضي السحيق ، وهذا البيت مثابة الحج والعبادة ، يرى الناس بينه وبين السماء صلة مباشرة فهم يسعون إليه من كل فج عميق حجاجاً ضارعين ، ولوذون به داعين مبتهلين:
" لبيك اللهم لبيك "


عزيزى القارئ:
---------------
غاشية: الغطاء - غلاف القلب - أما الغاشية فالمقصود بها يوم القيامة.
متناكرة: لم يعترف به - تجاهله - تجاهل بعضهم بعضاً.
إرهاصات: مفردها إرهاص وإرهاصة - شرعاً الأمر الخارق للعادة يظهر للنبي قبل بعثته - صدع أو كسر - أثبته وأسسه.
ماجت: من ماج بمعنى: هاج وارتفع - اضطربت مياهه - تحرك واضطرب وثار - اختلف.
مثابة: اسم مكان مكة - البيت - ثاب - الجزاء - بيت وموضع وملجأ - عوضاً عن - أعطى منصباً صغيراً بمثابة ترضية.
ضارعين: متخشعين - ذل وخضوع - يشبهون.
لبيك: الإمتثال - اللهم إنى علي طاعتك - وإقبالى على أمرك - اللهم إتجاهى وقصدى إليك.


عزيزى القارئ:
---------------
كاتبتنا دكتورة "عائشة عبد الرحمن" "بنت الشاطئ" تواصل معنا ما قالته السيدة خديجة لزوجها النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وهو لم يكن يعلم من قبل أنه كذلك .. وتسرد لنا بتفكيرها واستعراضها في السطور أعلاه ما تردد عن كيفية أن جرت هذه الكلمات على لسانها لزوجها بتلقائية وبسرعة أهى حقيقة أم إضافة من كُتَّاب التاريخ .. ولكنها سريعاً أيضاً تؤكد لنا أنها كانت تعرف لأنها من قريش وجارة الحرم وتعلم ما كان يدور وما يتحدث وينتظره الجميع .. وأنها بمكة مركزالتقاء الرحلات للتجارة وورود الناس بحكاياتهم من مختلف الثقافات والأديان للنبي المنتظر .. وقد لجأت لإبن عمها ورقة بن نوفل الذى كان على دراية بكتب الديانات السابقة سواء اليهودية أو المسيحية ..


وأترك لكم رابط فيديو مبسط لذلك مدته 2:32 دقيقة يحكى قصة نزول القرآن


وكانت كل فئة وطائفة وديانة ومجتمع تتمنى أن يخرج هذا النبي منهم .. فكأن كاتبتنا تشير لنا كيف نتأكد من أى حدث تاريخى بالبحث والتقصي .. ولا ننسي أن مكة بدأ تاريخها الدينى مع أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام .. وكيف استجاب لأمر ربه لبناء البيت العتيق بيت الله مع إبنه إسماعيل عليه السلام تهيئةً لمناسك الحج إليه وصلته المباشرة بالسماء ليلجأ إليه الضارعين المبتهلين والملبين لأمر الله تعالى.


عزيزى القارئ:

نعود معكم لكلمة ذكرتها في اللقاء السابق وهى "التقية" ومعناها: مصانعة الناس والتظاهر بغير ما يعتقد لإخفاء حق و بلوغ هدف بخداع وكذب وبه غموض أو خوفاً من بطش أو ظلم .. وشتان بين النصف الأول للمعنى والنصف الثانى .. وشتان أن يستخدم الشخص أو جماعة التقية في كل الأمور لما يخص جماعته وبين من يستخدمها لموقف وقع فيه مخافة قتل أو ظلم وبطش .. ولكن نجد بعض الجماعات والطوائف يستخدمونها علي طول الخط .. فيقولون الشئ ويحمل أكثر من معنى لتحقيق أهداف ومطامع غير معلنة وهى مُهلكة لغيرهم أى أن هناك معنى ظاهر ومعنى آخر باطن .. أى أن هناك ضوابط شرعية للتقية كالدفاع عن النفس من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماََ والتقية الشرعية تعتبر من الفروع أما عند الشيعة مثلاً وأمثالهم يعتبرونها من الأصول.


فنجد في احدى رسائل حسن البنا بعنوان رسالة دعوتنا .. أن دعوته دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلي رأى عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة ، وهى تتوجه لصميم الدين ولبه وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم زأكب فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون وهى مع الحق أينما كان ، تحب الإجماع وتكره الشذوذ وإن عظم ما منى به المسلمون الفرقة والخلاف وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة.


وإلى أن نلتقي في وقت آتى بإذن الله تعالى إذا كان في العمر بقية .. أستودعكم الله .. واللهم صلِ وسلم وبارك علي سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق