السبت، 29 ديسمبر 2018

مع المصطفى فى عصر المبعث رقم 8


"لبيك اللهم لبيك" فتتجاوب بهتاف تلبيتهم أودية مكة وبطاحها ، وتخشع له الجبال الصخرية السوداء المحيطة بها ، وتعنو هامات البدو الصلاب أبناء الصحراء.
ومع الزمن تأصلت حرمة هذا البيت العتيق ورسخت تقاليد إعظامه وطقوس إجلاله ، ومنه أخذت قريش مكانة السيادة ، لجوارها الحرم المكى ، وما استأثرت به من وظائف الشرف الدينية ، وراثةً عن جدها قصى بن كلاب المضرى العدنانى.
وفي تاريخ البيت الهاشمى قصة فداء مماثلة لقصة فداء إسماعيل التى بدأ بها المعروف من التاريخ الدينى لمكة.
شهدت مكة هذه القصة قبل مولد "محمد" بعام أو بعض عام ، وكان الذبيح الهاشمى المفتدى فيها هذه المرة ، أباه "عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم".
ويوم فدائه ، انطلق به أبوه عبد المطلب ، فزوجه آمنة بنت وهب ، سيد بنى زهرة. غير أن عبد الله ما لبث أن مات في طريق عودته من رحلة الموسم إلى الشام ، تاركاً لعروسه ذكراه الحية ، جنيناً في الشهر الثانى من الحمل.
ومضت إحدى وأربعون سنة ، ربما تكون قصة الفداء قد تاهت فيها ، في ضجيج الأحداث. حتى تلقي المصطفي الكلمات الأولى من وحى ربه ، فعادت الذكرى تربط ما بين محمد بن عبد الله وإسماعيل ابن إبراهيم ، برباط نسجته يد الزمن على مدى قرون وأدهار...
وتربطها كذلك ، في وعى السيدة خديجة ، بما رأت من ميل زوجها ، قبل المبعث ، إلي الخلوة في غار حراء ، وما عرفت من رفضه للأصنام التى تكدست في حرم البيت العتيق ، وحيرته من أمر قومه كيف ضلت عنهم أحلامهم فنسوا أنهم الذين صنعوا الأصنام والأوثان بأيديهم ، وجعلوا منها آلهة وأرباباً ، يطيفون بها عابدين ...
وفي هذا كله كانت خديجة تفكر وهى تخرج من البيت إثر سماعها بشرى الوحى ، ساعية إلي ابن عمها "ورقة بن نوفل" تلتمس الرأى لديه ، وترجو أن تجد من علمه بالكتب والأديان ما تطمئن به إلي حقيقة الفكرة الملهمة التى سيطرت على وعيها المرهف: أن يكون زوجها المصطفي نبياًّ لهذه الأمة ..
وقال ورقة بن نوفل:
"قدوس قدوس ، والذى نفسُ ورقة بيده ، لئن كنت صدقتنى يا خديجة ، لقد جاءه الناموس الأكبر الذى كان يأتى موسى وعيسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقواى له فليثبت!"





عزيزى القارئ:
--------------
لبيك: الإمتثال - اللهم إنى على طاعتك واقبالى علي أمرك - لبيك اللهم لبيك: اللهم اتجاهى وقصدى إليك
تعنو: من عنا = خضع له وذل - الطاعة والتسليم - مودة - همه
تأصلت: صار بأصل ثابت - ثبت وقوى
ترسخ: تعمق
طقوس: نظام وترتيب - نظام العبادات الدينية وأشكالها - شعائرها واحتفالاتها
فداء: ما يقدم من مال ونحوه لتخليص المفدى - ما يقدم لله جزاء لتقصير في عبادة ككفارة الصوم والحلق ولبس المخيط في الاحرام - أضحية - ضحية
أدهار: جمع دهر - الدهر = الزمان الطويل مدة الحياة الدنيا كلها وتطلق على 1000 سنة أو 100 ألف سنة كما جاء في آية 24 من سورة "الجاثية" (وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)
الناموس: القانون والشريعة - كذلك الوصي - ومن أسماء سيدنا جبريل - زمعانى أخرى حيلة ومهارة و مكمن ومخبأ ومأوى الأسد
عزيزى القارئ:
--------------
تكمل معنا كاتبتنا د. بنت الشاطئ أثر التلبية على أودية وجبال مكة والبدو وأبناء الصحراء وما تم توارثه واستأثرت وانفردت به قريش للإشراف على البيت العتيق .. وذكرتنا بقصة فداء سيدنا إسماعيل بكبش بعد إختبار الله لمدى الامتثال منه وأبيه للأمر الإلهى في الرؤيا .. وتكرار قصة الفداء لوالد سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام "عبد الله" .. وإذا كان في العمر بقية سنعرج على هذا بمشيئة الله في وقت لاحق .. ومعرفة السيدة "خديجة" بذلك وما يجول بخاطر سيدنا الرسول في غدوه ورواحه وما يشاهده من قومه وخلواته بالغار .. واستعانتها بابن عمها "ورقة بن نوفل" مع تيقنها من أن زوجها المصطفي هو النبي لهذه الأمة.
وإليكم رابط فيديو قصير مدته أقل من دقيقة (0:45 دقيقة).
عزيزى القارئ:
---------------
ونكمل مسيرة حياة والدة سيدنا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام السيدة الكريمة الفاضلة "أمنة بنت وهب":
ولقد كان البيتان بيت آل زهرة وبيت آل هاشم أقرب الأسر القرشية إلي بعضها جمعتهما أواصر ود قديم لم تنفصم روابطه منذ عهد الشقيقين قصي وزهرة ولدى كلاب بن مرة.
وكان لابد كذلك أن تعرف آمنة الطفلة إبن عمها الطفل عبد الله بن عبد المطلب بين من عرفت من أولاد الأسر القرشية وتلاقت وإياه في الطفولة البريئة على روابي مكة وبين ربوعها وفي ساحة الحرم الآمن كما جمعتهما مجامع الأسرتين حيث كان عبد المطلب سيد بنى هاشم ووهب سيد بنى زهرة يتزاوران ويجتمعان كلما أَهَمَّ قريش أمر يستحق التشاور والإجتماع.
ودارت السنون ومر الزمن وتكبر آمنة حتى تلوح بواكير نضجها وتصبح صبية متفتحة. وكعادة قومها مع أترابها حجزت وحجبت عن العيون. في نفس الوقت الذى كان عبد الله بن عبد المطلب تسارع به خطاه نحو الصبي ثم الشباب الناضج.
"
ونكمل لاحقاً بمشيئة الله"
وإلى أن نلتقي في وقتِِ آت ِِ بأمر الله أترككم في رعاية الله واللهم صلِ وسلم وبارك علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق