الثلاثاء، 15 يناير 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 19



"والليل إذا يغشي" (ط)
الدنيا ليل ..
ومكة مؤرقة بسهدها تشهد ائتمار قريش بالمصطفى ومن معه ..
لا عن ارتياب في صدقه وأمانته ، ولكنها خافت أن تفقد الوثنية سلطانها على العرب ، وعليها كانت قريش تعتمد في ترسيخ نفوذها وتضخم ثروتها ، منذ جعلت المواسم الدينية للحج مواسم للتجارة.
وهذا الموسم علي وشك اقتراب ، ومحمد يجهر بدعوته لا يبالى أحداً.
وقد سمعت قريش ما تلاه من كلمات ربه. فأدركت من فورها أنها المعجزة التى لا يملك أى عربي يصغى إليها ، أن يصرف عنها سمعه وقلبه وضميره.
فإن خلت قريش بين محمد وبين القبائل الوافدة على الموسم يتلو فيها القرآن ، فإن العرب لن يترددوا في الإيمان بصدق نبوته ، عن يقين بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من قول البشر.
وفي دار الندوة بمكة ، حيث اعتادت قريش من عهد جدها قصى ابن كلاب أن تعقد فيها مجالسها كلما أهمها أمر واحتاجت فيه إلى المدارسة وتبادل الرأى ، اجتمع نفر من طواغيت قريش وقام فيهم "الوليد ابن المغيرة المخزومى" وكان ذى سِن وشرف فيهم ، فقال:
"
يا معشر قريش ، إن وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً"
قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به.
قال: بل أنتم فقولوا أسمع.
قالوا: نقول كاهن.
ورد عليهم: لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهَّان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه.
قالوا: فنقول ، مجنون!
ورد عليهم: ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.
قالوا : فنقول ، شاعر!
ورد عليهم: ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وقصيده وهزجه وقريضه مقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر.
قالوا : فنقول ، ساحر.
ورد عليهم: ما هو بساحر ، لقد رأينا السُّحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ، ولا عقدهم.
وغلبوا على أمرهم لا يدرون ماذا يقولون في المصطفى ومعجزته ، فسألوا الوليد:
-
فما نقول يا أبا عبد شمس؟
أجاب: والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذْق وإن فرعه لجناة.
وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل. وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر ، جاء بقولٍ هو السحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته.
وانفض المجلس بعد أن أجمعوا أمرهم علي أن يترصدوا للوفود علي مداخل مكة ، فيأخذوا سبل الناس لا يمر بهم أحد إلا حذروه أن يسمع ما يتلو محمد من كلام هو السحر.
والمصطفي يتلو من آيات ربه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ .. {ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيْيِكُمُ الْمَفْتُونُ (6)} .. صدق الله العظيم.
وأشفق أبو طالب أن يظاهر عامةُ العرب قومه على ابن أخيه ، فيجتمعوا ألباً عليه وعلى من ينصره من بنى هاشم ، فأنشد في الموسم قصيدة مطولة يتعوذ فيها بحرَم مكة ومكان المصطفى منها ، ويعتب على أشراف قومه ناشداً مروءتهم ، ومعلناً في الوقت نفسه أنه لن يخذل ابن أخيه ولن يتركه لشئ أبداً حتى يهلك دونه!
وصدرت القبائل من ذلك الموسم بأمر المصطفى ، فانتشر ذكره في بلاد العرب.
********************
عزيزى القارئ:
--------------
سهد: أرق - لم يستطع النوم - يقظ حذر
ائتمار: المشاورة في الأمر - الخضوع له - الامتثال له
خلت: غابت عن - احتاج إليه - كان غير متراص - صار فيه خلل - افتقر واحتاج
سِن: سن النضوج - كبير السن - عُمْر - شاخ
زمزمة: إحداث صوت الدندنة أو صوت الرعد المدوى أو لهيب النار - صوت من المصدر
سجع: الإتيان بكلام منثور مُقَفى وله فواصل - استوى واستقام لا يميل عن القصد
خنقه: أى انخنق وانحصر حلقه - أو الضغط على الرقبة - ضيقه
تخالجه: تجاذبه وتنازعه - اختلط - اشتبك
رجزه: بحر من بحور الشعر العربي - داء يصيب الإبل ترعش منه أفخاذها عند قيامها
هزجه: بحر من بحور الشعر العربي والفارسي - صوت الرعد أو ذباب - الخفة والطرب - غناء وكل صوت فيه ترنُم خفيف مطلوب
قريضه: الشِعْرُ وقواعد نظمه - ما يرده البعير من جرته
نفثهم: نفخ فيه - ألهمه - ناجاه بصوت هامس - ألقاه
عقدهم: اتفاق - عهد بين طرفين - أصل اللسان وما غلظ منه
عذْق: قطع - كقطع سعف النخيل - النخلة بحملها - خروج النخلة من النواة
جناة: جمع جانى - ارتكب جناية - من ارتكب ذنباً أو جرماً - كل ما يجنى من الشجر
ممنون: معترف بالجميل وشاكر الفضل - مقطوع - قوى - منقوص
يظاهر: يعاون ويناصر
ألباً: تجمعوا - يأتوه من كل جانب - برئ ظاهره دون باطنه
صدرت: وقع وتقرر - برز - صار إليه - شكا صدره
عزيزى القارئ:
--------------
تحكى لنا دكتورة "بنت الشاطئ" تفاصيل محاولات قريش لإيقاف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته حفاظاً على نفوذهم وزيادة أموالهم بترويج المواسم الدينية وعبادة أوثانهم وارتباطها بالتجارة من ناحية بدفع عمه للتخلى عنه ومن ناحية أخرى بأن يصفوه بصفات منفرة ليست فيه ومن جهة ثالثة بإعتراض طريق الوافدين لمكة لتحذيرهم من الاستماع لمحمد صلوات ربي وسلامه عليه .. وخشي عمه عليه من اجتماع العرب عليه فأنشد قصيدة طويلة يناصر فيها ابن أخيه معاتباً لأشراف قومه عما يفعلوه .. "وأعرضها عليكم في لقاء قادم إذا شاء الواحد الأحد ..
عزيزى القارئ:
--------------
وإليكم تفسير الست آيات الأولي من "سورة القلم" الواردة أعلاه .. السورة مكية وتعنى بأصول العقيدة والإيمان .. بدأت السورة بحروف من الحروف المقطعة وذُكر للتنبيه على إعجاز القرآن .. رغم ما كان يشتهر به عرب الجزيرة من مهارة في نظم الشعر الذى أعجبهم وأعجزهم وأبهتهم .. أقسم الله تعالى بالقلم وما يكتبه الكاتبون على صدق محمد وسلامته .. "عليه أفضل الصلاة والسلام" .. مما نسبه إليه المجرمون من السفه والجنون وفي القسم بالقلم والكتابة إشادة بفضل الكتابة والقراءة .. فالإنسان من بين سائر المخلوقات خصه الله بمعرفة الكتابة ليفصح عما في ضميره .. ولنعلم دليلاً على شرف القلم أن الله أقسم به في هذه السورة تمجيداً لشأن الكاتبين .. ورفعاً من قدر أهل العلم .. ففي القلم البيان كما في اللسان وبه قوام العلوم والمعارف والظاهر من قول الله تعالى أنه جنس القلم الذى يكتب به .. وهو قسم منه تعالى لتنبيه خلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التى تنال العلوم .. أى لست يا محمد بفضل الله وإنعامه عليك بالنبوة بمجنون كما يقول الجهلاء المجرمون .. فأنت بحمد الله عاقل لا كما قالوا .. أنت بحمد الله فاضل أى وإنّ لك لثواباً على ما تحملت من الأذى في سبيل تبليغ دعوة الله غير مقطوع ولا منقوص .. أى وإنك يا محمد لعلى أدب رفيع جم وخلق فاضل كريم .. فقد جمع الله فيك الفضائل والكمالات .. يا له من شرف عظيم لم يدركه بشر .. فرب العزة جل وعلا يصف محمداً بهذا الوصف الجليل "وإنك لعلى خلق عظيم" .. فقد كان من خلقه العلم والحلم وشدة الحياء وكثرة العبادة والسخاء والصبر والشكر والتواضع والزهد والرحمة والشفقة وحسن المعاشرة والأدب والأخلاق المرضية .. الخ .. ووعده الله بأنك سوف ترى يا محمد ويرى قومك ومخالفوك "كفار مكة" إ1ا نزل بهم العذاب .. أى أيكم الذى فتن بالجنون؟ .. هل أنت كما يفترون أم هم بكفرهم وانصرافهم عن الهدى؟ .. والمفتون هو المجنون الذى فتنه الشيطان .. ومعظم السورة نزل في "الوليد بن المغيرة" و "أبي جهل" .. وقد كان المشركون يقولون: إن بمحمد شيطاناً ونعتوه بالمجنون .. فقال الله تعالى سيعلمون غداً بأيهم المجنون أى الشيطان الذى حصل من مسه الجنون واختلاط العقل.
وإليكم رابط فيديو بالعامية البسيطة يلخص الفترة من بداية نزول الوحى وأول من آمن بالرسالة "السابقون الأولون" والدعوة السرية "3 سنوات" إلى أن جاء أمر الله بالجهر بالدعوة .. تصلح لأن نعرضها علي الأبناء والأحفاد وأبناء الأهل .. مدته 6:01 دقيقة
ورابط لفيديو يوضح ما حدث بعد الدعوة السرية عندما أصبحت علنية ودار الأرقم .. الخ .. مدته 10:53 دقيقة
وإن كان لى اعتراض على جملة وردت على لسان المتحدثة التى أجزمت بدخول النار .. هذا بيد الله .. ونحن كبشر لا يجب أن نأخذ هذا الدور .. فلا يعلم السرائر إلا الله .. وبعيداً عن رأيي الشخصى فقد ثبت إختلاف معظم علماء السنة والشيعة في مصير عم الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام .. فهؤلاء يقولون أن مصيره النار وأولئك يقولون مصيره الجنة .. وأقول الله أعلم .. فلله الأمر من قبل ومن بعد.
واسمحوا لي أن نكتفي اليوم بهذا القدر على وعد بإستكمال سيرة الفاضلة السيدة "آمنة بنت وهب" وعبد المطلب وأولاده .. الخ .. حين يشاء رب العالمين.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله كما لا نهاية لكمالك وعدد كماله
فريق مصر أم الكون
Khadega Hussein 
خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق