السبت، 26 يناير 2019

حقيقة الأنقلاب التركى

كتبنا هذا المقال على الفيسبوك بتاريخ 6 / 11 / 2016 ونعيد كتابته على المدونه لحفظ المقال 





مثلت محاولةُ الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا في 15 من يوليو/ تموز 2016 لحظةً فارقةً في التاريخ التركي، حيث احتفل المجتمعُ التركيُ والعالمُ أجمع بالقضاء على عنصر أرادَ عرقلةَ الديموقراطية واسقاطَ الحكومة المنتخبة في تركيا.
فقد اتهمت السلطات التركية بعض الضباط في الجيش بالقيام بمحاولة انقلابية ضد الحكومة المنتخبة في البلاد، وبالطبع فالسلطات التركية لها الحق الكامل في التحقيق واستجواب من قاموا بهذا الأمر؛ ولكن في ضوء ما ينص عليه القانون التركي وفي إطار النظام القضائي المتبع هناك ووفق محاكمات عادلة.
وبدلاً من فتح تحقيق عادل في هذه المحاولة، قامت الحكومةُ التركيةُ والرئيسُ رجب طيب أردوغان بعد الانقلاب مباشرة بعملية تطهير شاملة في كل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى سجن وفصل آلاف الجنود الذين لم يشاركوا في هذه المحاولة الانقلابية، إلى جانب اعتقال وسجن عشرات الآلاف من المدنيين من بينهم صحفيون ومعلمون وقضاة.
فقد أوردت منظمةُ العفو الدولية في تقرير لها، أنَّ هناك أدلة مُوثَّقة تثبتُ انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ خطيرةً تمارس ضد المعتقلين؛ مثل التعذيب الجسدي والنفسي والاغتصاب وغير ذلك.
لقد استغل الرئيس أردوغان محاولة الانقلاب الفاشلة تلك واعتبرها فرصة ذهبية من أجل الإسراع في القضاء على حركة الخدمة ومصادرةِ مؤسساتها الاجتماعية والتعلمية، بالإضافة إلى مصادرة الأموال والممتلكات الخاصة ببعض رجال الأعمال المتعاطفين معها.
لقد عَمِلَ أردوغان على تكميم جميع الأفواه المعارضة له ولحكمه، كما شرع في إعادة هيكلة النظام العسكري كلياً بما في ذلك المدارسُ والكليات العسكرية؛ وذلك لجعل الجيش تحت سيطرته تماماً، حيث قال الرئيس أردوغان مساء ليلة الانقلاب: “إنَّ تلك المحاولة الانقلابية هي لطف من الله لنا، لأنها ستكون سبباً في تطهير جيشنا”.
وفي ليلة 15 من يوليو/تموز وقبل ظهور تفاصيل تلك المحاولة الانقلابية بساعات، أعلن الرئيس أردوغان خلال مكالمة تليفونية مع قناة “سي إن إن ترك”، أنّ العقل المدبر والمخطط لتلك المحاولة الانقلابية هو فتح الله كولن، رجل الدين التركي الذي يعيش في عزلة بمدينة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية والبالغ من العمر 77 عاماً.
وتقول القصة الرسمية التي ترويها الحكومة التركية حول محاولة الانقلاب الفاشلة هذه: “إنَّ مجموعة من ضباط الجيش المتعاطفين مع كولن قد علموا أنّهم بصدد الاستغناء عنهم في اجتماع المجلس العسكري الأعلى في أغسطس القادم، فقاموا بالتخطيط لهذه المحاولة الانقلابية، كضربة استباقية لإنقاذ أنفسهم ومحاولة السيطرة على زمام الأمور في الدولة التركية”.
وبينما تبدو تلك الرواية صحيحة إلى حد ما، إلا أنّها ليست نابعة من أي تحقيق أو حتى حكم قضائي، مما تُثير هذه الرواية العديدَ من التساؤلات وتترك الكثيرَ من علامات الاستفهام التي تحتاج إلى إجابة!. لذا نقول “إنَّ الحكومة التركية قد أخفقت حتى الآن في تقديم أي أدلة حقيقية تثبت صلة فتح الله كولن بتلك المحاولة”.
وقد صرح رئيس هيئة المخابرات الأمريكية “جيمس كلابر” بأنهم لم يجدوا حتى الآن أي دليل يدل على تورط السيد كولن في هذه المحاولة الانقلابية، إلى جانب أنَّ العديدَ من الخبراء والمراقبين المـُستَقلين ذكروا: “أنَّه من المستبعد تماماً أن يكون الضباط المتعاطفون مع فكر السيد كولن متورطين في هذه المحاولة الانقلابية”.
وقدم المراقبون المستقلّون رواية بديلةً أكثر منطقية وذات قوة توضيحية أكبر، ووفقا لهذه الرواية، فإنّ المحاولة كانت على قاعدة أوسع وتضمنت الكماليين المتشددين والقوميين الجدد، وكان الرئيس أردوغان يتوقع محاولة كتلك وسعى هو وحلفاؤه إلى الاستفادة منها وتحويلها إلى فرصة تُظهِر أردوغان كبطل قومي، ويؤكد هذه الرؤية الدور الفعال للجنرال “محمد ديشلي” شقيق نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي “شعبان ديشلي”مع العديد من المؤشرات الأخرى.
وفي سبيل تبرير خطة التطهير وإيجاد غطاء شرعي لما ستفعله الحكومة بعد ذلك، لجأت الحكومة التركية إلى استخدام معلومات خاطئة وبيانات زائفة من أجل تهييج وشحن المشاعر لدى المواطنين الأتراك، حيث قامت الحكومة التركية باستعراض صور وفيديوهات لبعض المدنيين المعتدى عليهم من قبل الجنود في ليلة الانقلاب، مما خلقت هذه الصور والفيديوهات جوا من الغضب عند المجتمع التركي ضد من قاموا بهذه المحاولة الانقلابية، بالإضافة أن الحكومة التركية حجبت أي حديث أو كلام يصدر من الضباط المعتقلين المعروفين بالكماليين أو القوميين الجُدد، ويغلقون الأبواب في وجه أية معلومات أو أدلة يدلي بها هؤلاء الضباط، والتي من شأنها أن تناقض القصة الرسمية للحكومة، ثم إنّ تلك المعلوماتِ غير الصحيحة تضع المتعاطفين مع حركة الخدمة في نظر الجيش كالمدبرين الوحيدين لتلك المحاولة.
إنّ السيطرة على وسائل الإعلام من قبل أردوغان ومناخ الخوف الذي تبثه أحاديث الحكومة التركية دائما، كل هذا يجعل المجتمع التركي مع الرواية الوحيدة التي قالتها الحكومة، كما أن هذا أيضا يساعد في تشويه صورة الخدمة بشكل عام.
ثم إنّ تلك المغالطة المنطقية والاتهامات غير القانونية التي تقولها الحكومة التركية ضد من ثبت تعاطفهم مع حركة الخدمة في صفوف الجيش جعلت المجتمع التركي يبرر عملية التطهير الشاملة التي تحدث لحركة الخدمة في كل مؤسسات الدولة التركية.
إنّ استهداف عشرات الآلاف من غير العسكريين من موظفي الدولة التركية كالقضاة والصحفيين والمعلمين بدون تحقيق، هو بمثابة مثال من جملة الأخطاء التي ترتكب من قبل الحكومة التركية.
وليس الأفراد والمؤسسات المتعاطفة مع حركة الخدمة هي فقط ضحية عملية التطهير هذه؛ بل أيضا الأفراد والمنظمات الليبرالية والقومية والكردية واليسارية والعلوية.
إنّ العامل المشترك بين أكثر من 110 منظمة إعلامية تم إغلاقها عقب محاولة الانقلاب ليس هو انتمائها لحركة الخدمة، وإنما لكونها تشكل أصواتًا مستقلة ومعارضة لبعض القرارات والسياسات الخاطئة التي تصدر من قبل السيد أردوغان والحكومة التركية، كما أنّ بعض الصحفيين المقبوض عليهم معروفون بانتماءاتهم اليبرالية أو اليسارية أو الكردية أو القومية، إلى جانب أن بعض ضباط الجيش المعتقلين من الكماليين المتشددين.
ففي الثامن من سبتمبر/ أيلول عام 2016 أعلنت الحكومة التركية فصل 11 ألف و500 معلم كردي بزعم انتمائهم لمنظمة إرهابية، مما خلقت مثل هذه الأفعال مناخا من الخوف الذي ساد في تركيا أدى إلى صمت المعارضة التركية.
ليس من الممكن أن نعلم حقائق الانقلاب الفاشل إلى الآن، والسبب في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان ومناخ الخوف المجتمعي الذي أُنشئ بعد المحاولة الانقلابية، لكن بغض النظر عن ما حدث في ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز، فقد استهدفت عملية التطهير الشاملة في حينها المدنيين بشكل كبير وتركت عشرات الآلاف من العائلات في معاناة حقيقية.
ثم إنّ الرئيس أردوغان يستغل تلك المحاولة الانقلابية لتمكين سلطته وتدعيم مكانته بشكل كامل ، حيث يقدم نفسه كمخلّص الأمة التركية الأسطوري “أتاتورك القرن الحادي والعشرين”، وفقا لوصف جريدة نيويورك تايمز.
لقد أصابت ردود الفعل الدولية نحو محاولة الانقلاب الفاشلة الرئيسَ التركي بالإحباط، فبينما تُظهر هذه الردود تضامنها مع الحكومة التركية في جهودها لمعرفة مدبري الانقلاب ومحاكمتهم، إلا أنَّ رؤساء بعض الدول ومنظمات حقوق الإنسان الدولية انتقدت استهدافَ الحكومة التركية للمدنيين في إطار عملية التطهير الشاملة التي تقوم بها، وبينما تعد تلك الانتقادات ذات قيمة حقيقية في حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في تركيا، إلا أنها ليست كافية لإيقاف حكومة أردوغان عن استهداف المجتمع المدني.
إنّ إنهاء حالة الطوارئ وإعادة تفعيل دور القانون، والنظر في الظروف الإنسانية للمعتقلين، وأخذ العدالة مجراها وسيادتها، هو الأمل الوحيد لضحايا عملية التطهير الشاملة تلك.
المحاولة الانقلابية وما تلاها من تطهير
حاولت مجموعة من الضباط والجنود الأتراك تنفيذ انقلاب في يوم الجمعة الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، وانصب تركيزهم على أنقرة واسطنبول، حيث سيطروا على بعض المرافق المهمة في المدينتين مثل رؤس الكباري في مدينة إسطنبول والمطارات الموجودة بهما، بالإضافة إلى مبنى البرلمان التركي وبعض أقسام الشرطة.
وكانت تلك المحاولة إما مخطط لها بشكل غير دقيق ولم تُنفذ بشكل جيد، أو كانت خطة على قاعدة واسعة تخلت فيها بعض المجموعات العسكرية عن الأخرى، مما جعل تصرفات الأخيرة ناقصة وغير فعالة. وعلى الرُغم من ادعاءات الحكومة التركية بتورط مجموعة صغيرة متطرفة من بعض أفراد الجيش التركي في تدبير تلك المحاولة الانقلابية، إلا أنه قد تم إلقاء القبض على أكثر من ثُلث قادة الجيش وآلاف الجنود.
ووفقا للمصادر الرسمية للحكومة التركية فقد تم مقتل5 جنود و62 ضابط شرطة، و173 مدنياً بالإضافة إلى 1500 جريح.
وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بشأن الأوضاع في تركيا مقتل 208 شخصاً على الأقل، بالإضافة إلى أكثر من 1400 مصاب. حيث قالت السلطات التركية “إن من بين هؤلاء القتلى 24 شخصا ممن يصفون بمدبري الانقلاب”. والبعض منهم قد قتل من غير أي محاكمة وأثناء تسليم أنفسهم.
لقد وضعت الحكومة التركية مسؤولية الانقلاب على عاتق كبش الفداء المعتاد “فتح الله كولن”؛ رجل الدين المتقاعد الذي يعيش في عزلة في مركز في سايلورسبيرج بمدينة بنسلفانيا منذ عام 1999، كما ادعى بعض وزراء الحكومة دعم الإدارة الأمريكية لمحاولة الانقلاب الفاشلة للإطاحة بأردوغان وذلك من خلال حركة كولن.
وفي نفس توقيت الانقلاب كان الدكتور “هنري بيكري” الدكتور بمعهد ويلسون متواجداً في مدينة إسطنبول لحضور ورشة عمل، وادعت الحكومة التركية أنه رجل المخابرات الأمريكية الذي أتى لمراقبة الانقلاب، كما وجهت الصحف الموالية للرئيس أردوغان تهمة تنظيم الانقلاب للجنرال “جون قان فيل”، قائد قوات دعم الأمن الدولية الأمريكية السابق.
وقد ظهرت البوادر العامة للمحاولة الانقلابية في حوالي الساعة الثامنة مساءً، عندما بدأت وحدات من الجيش التركي تحويل حركة المرور من على جسر “البوسفور” في إسطنبول، وفي حوالي الساعة العاشرة تم إغلاق حركة المرور على الجسر وفتح اتجاه واحد من أجل عبور السيارات، في حركة غير مسبوقة وغير مُفسرة من قبل مدبري الانقلاب، مما سببت هذه الحادثة ردة فعل عنيفة من قبل الشعب التركي.
وقد كانت الإجراءات المـُتخذة مناقضة تماما للانقلابات السابقة، ففي الانقلابات السابقة أعوام 1960، 1971، و1980، تم أولاً التحفظ على القادة السياسيين، ثم محطات الإذاعة والتلفاز، وكانت الانقلابات تُنفذ بينما معظم الناس نائمين، كما كان مدبرو الانقلاب يضعون في الإعتبار تجنب وقوع ضحايا كثر من المدنيين.
أما أثناء محاولة الخامس عشر من يوليو/تموز، لم يتم التحفظ على أردوغان أو رئيس الوزراء “يلدريم”، وتُرِكت محطات الإذاعة والتلفاز الموالية لإردوغات تعمل بحرية، وكان وقت الانقلاب أثناء ساعة الذروة وفي وقت استيقاظ معظم الناس،كما أن تفجير مبنى البرلمان وقتل المدنيين، أشياء كلها عملت على تهييج مشاعر الناس وخلقت ردة فعل قوية من الشعب التركي، مما أدت في النهاية لفشل هذا الانقلاب.
الإطار الزمني للمحاولة الانقلابية
في الساعة الواحدة بعد الظهر: قام ضابط بالقوات الجوية بإبلاغ المخابرات التركية بمحاولة الانقلاب، وفُصل على إثرها من الجيش.
في الساعة الرابعة مساءً: قامت المخابرات التركية بإبلاغ رئيس الأركان بهذا الأمر، كما طلبت منه عدم إخبار رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الحرس الخاص بهم.
في الساعة السادسة مساءً: يلتقي رئيس المخابرات “هاكان فيدان” مع رئيس الأركان “خلوصي أكار”، وبعدها تم إشاعة أنّ “فيدان” كان في اجتماع مع “أكار” حتى العاشرة مساءً في مقر القيادة العامة، بينما كان يجري الانقلاب بشكل جيد.
في الساعة الثامنة مساءً: تبدأ وحدات الجيش إغلاق الطرق المؤدية إلى جسر البوسفور.
في الساعة الثامنة مساءً: يعلم أردوغان بمحاولة الانقلاب عن طريق مكالمة هاتفية من صِهره وزير الطاقة التركي.
في الساعة العاشرة مساءً: يُغلق الجنود الأتراك باستخدام الدبابات والمجنزرات المرور في الاتجاهات على جسر البوسفور.
في الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق مساءً: يعلن رئيس الوزراء “بن علي يلدريم” أنّ تلك المحاولة الانقلابية هي من صنع طائفة خبيثة بين صفوف الجيش.
في الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً: تعلن وكالة أنباء الأناضول أخذ رئيس الأركان رهينة.
في الساعة الثانية عشر ودقيقة بعد منتصف الليل: يغادر أردوغان مقر إقامته الذي يقضي فيه إجازته، وفقا لوكالة الأناضول للأنباء.
في الساعة الثانية عشر وثلاث عشرة دقيقة: تم إلقاء بيان الانقلاب بالنيابة عن مدبري الانقلاب على محطة “تي أر تي” المملوكة للدولة.
في الساعة الثانية عشرة وست وعشرين دقيقة: يظهر أردوغان على قناة “سي إن إن تورك” متهما كولن بأنه خلف المحاولة الانقلابية، وموجها خطابه إلى الناس للنزول للشارع لحماية الديمقراطية. أي بعد أربع ساعات ونصف من مكالمة أردوغان مع صهره.
في الساعة الواحدة إلا ثمان دقائق: “يعلن قائد الجيش الأول “جين يوميت دوندار” أن تلك المحاولة من تنفيذ مجموعة هامشية ، وأن ولائه لأردوغان.
وفي تمام الساعة الثالثة إلا ثماني عشرة دقيقة:تم تفجير مقر البرلمان التركي.
في الساعة الثالثة وعشر دقائق صباحا: يلقي مدبرو الانقلاب بياناً من مكتب وزير الحربية.
في الساعة الثالثة والثلث صباحا: تهبط طائرة أردوغان في مطار أتاتورك في إسطنبول، بعدها يعقد مؤتمراً صحفيا.
في الساعة الثامنة والنصف صباحا: تم إطلاق سراح الجنرال “أكار” رئيس هيئة الأركان التركية.
في الساعة الواحدة وخمس وثلاثون دقيقة ظهرا: يعلن رئيس المخابرات التركية “هاكان فيدان” انتهاء الانقلاب.
في الساعة الثانية وخمس وخمسين دقيقة بعد الظهيرة: بدء عملية التطهير الشاملة بطرد 2745 قاضياً ومدعيا عاماً.
استغرق كل هذا خمس وعشرين ساعة وخمس وخمسين دقيقة.
أما عملية التطهير الشاملة بالأرقام:
تم إغلاق 180 قناة تلفزيونية، تم اعتقال 120 صحفياً، تم اعتقال 5266 ضابط بالجيش، تم إغلاق 1254 منظمة مجتمع مدني منها منظمات إغاثية، تم فصل 2346 أكاديمياً، تم إغلاق 2099 مدرسة وسكن طُلابي.
ومنذ الخامس عشر من يوليو/تموز 2016 إلى الآن، تم
إيقاف 3465 قاضياً وكيل نيابة، إيقاف 159 جنرالاً رفيع المستوى عن العمل، واعتقال50651 شخصاً، وطرد 27239 موظفا من الدولة.
الإجمالي 104,914 تم تطهيرهم من صفوف الدولة، وذلك حسب بيان القوات المسلحة التركية، في الأول من أكتوبر 2016
عملية تطهير ما بعد الانقلاب
اتَّسمَت أفعال الحكومة التركية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة بالعقاب الجماعي، وذلك دون أي سند قانوني أو أي دليل يثبت تورط بعض المعتقلين في هذه المحاولة الفاشلة، حيث عبر الأستاذ “ديفيد فيليبس” الأستاذ بمعهد جامعة كولومبيا لدراسة حقوق الإنسان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة أنّ “ستالين” الذي بداخل شخصية أردوغان قد أُطلق سراحه، وأنه سيحول تركيا إلى مخيمات كبيرة.
لقد أصدرت الحكومة أوامرها بإغلاق 131 جريدة ووكالة أنباء ودور نشر ومحطات إذاعية وتلفاز، علاوة على ذلك فقد قامت الحكومة خلال أيام بفصل 104,676 شخصاً من الدولة، سجنت 44,206 واعتقلت 24,118 و49 صحفياً، وأغلقت 1,284 مدرسة وسكن طلابي و15 جامعة، كما أغلقت 1,254 مؤسسة وهيئة بالإضافة إلى 35 مستشفى. وتعرضت المؤسسات التابعة لحركة الخدمة؛ لوابل من المظاهرات الغاضبة من قبل بعض مجموعات من الشعب التركي، والتي أطلقت شعارات تهتف بتأييد الرئيس أردوغان وتهدد فتح الله كولن والمتعاطفين معه.
بعض ضحايا الاعتقالات العشوائية
نماذج من الاعتقالات الغير منطقية:
1- “
أ ي” حارس في إدارة الشؤون الدينية في “بلك كسير”.
2- “ج أ” بيطري في وزراة الزراعة والحيوانات في مدينة “إغدر”.
3- “ن و” عامل تعدين في وزراة الطاقة في “زون جول دك”.
4- ” س د” حارس مستودع في منظمة إدارة الكوارث في “أنطاليا”.
5- “ف ه د” دايه (قابلة) في وزراة الصحة في “اسبرطه”.
6- “ي إ ك” راقصة باليه في وزراة الثقافة والسياحة في “إزمير”.
7- “أ د” عامل أثار في وزراة الثقافة والسياحة في “إزمير”.
8- “ت ت” سائق شاحنة في منجم للفحم في “تشن قعله”.
9- “ش ج” ميكانيكي سيارات في مدينة “كوتهيا”.
10- “م ش” طباخ في رئاسة الوزراء “أنقرة”.
عشرة أصناف لانتهاكات حقوق الإنسان
1-الاحتجاز غير الإنساني والتعذيب
2-انتهاك الحق في الحصول على مأوى
3- انتهاكات طالت الأُسر
4-انتهاكات الملكية الخاصة
5-إنكار حق الاعتراض المشروع
6-التحرش الجسدي واللفظي خارج الحجز وداخله
7-انتهاك حق السفر
8-إنكار التوظيف القانوني
9-الإذلال وتشويه السمعة
10-إنكار حق الأمر القضائي الواجب النفاذ
أشكال انتهاكات حقوق الإنسان:
استمرت انتهاكات حقوق الإنسان أثناء عملية التطهير الشاملة في الزيادة، ومن صور أشكال الانتهاكات هذه ما يلي:
1-حالات الاحتجاز غير الآدمية والتعذيب الذي يتعرض لها المعتقلون: منها الإمتناع عن تقديم الدواء والعلاج الطبي والطعام، وحق الحصول على النظافة الشخصية، ووضع عدد كبير من المحتجزين معا في أماكن صغيرة، وهناك تقارير حقوقية موثّقة تقر بوجود تعذيب مثل الضرب والاغتصاب وغيره.
2– الإساءة اللفظية والجسدية خارج مراكز الاحتجاز.
3- انتهاك حقوق السفر: “إلغاء جوازات السفر، والمنع من السفر”.
4- إنكار الحقوق القانونية للموظفين: حيث تم طرد الموظفين بدون تحقيق كما حرموا من الحصول على أي فرصة في أي مؤسسة حكومية أخرى. وتم رصد الشركات الخاصة التي توفر وظائف لمثل هؤلاء الأفراد وتهديدها، كما تم إلغاء الرخص الاحترافية الخاصة بالمعلمين وبعض المهن الأخرى مثل الأطباء والأكاديميين، وتم إلغاء دبلومات المدارس للمحترفين.
5- التشويه والإذلال والتجريح: تم شن حملات تشويه ضد المؤسسات والشركات، والأفراد من قبل الرئيس أردوغان وبعض مسئولي الدولة حيث انطلقت تلك الحملات على شاشات الإعلام والمنصات الموالية لأردوغان، كما أنّ الشرطة لا تولي أهتماما لمن يقدم من أسر المعتقلين بلاغا يفيد تعرضه للاعتداء البدني أوالتحرش العام.
6– عدم حصول المعتقلين على الحق الذي كفله الدستور والقانون التركي، وهو حق الدفاع والمرافعة القانونية.
7– إنكار حق الحصول على دفاع قانوني: حيث يتم تهديد المحامين المتقدمين للدفاع عن المنتمين لحركة الخدمة واحتجازهم واعتقالهم، ومهاجمة مكاتبهم.
8- انتهاك حقوق الملكية الخاصة: حيث تتم مصادرة أموال المنتمين لحركة الخدمة من خلال آليات عدة منها تعيين الوصاية أو المصادرة أو البيع لطرف ثالث بدون قبول المالك.
9- انتهاكات الأسرة: يتم إحتجاز وأحيانا اعتقال أفراد أسرة المطلوبين بما فيهم الزوجات والأمهات والآباء،كما يتم تهديد الأطفال، وتهديد الآباء بوضع أبنائهم في مصالح حكومية خاصة بالأيتام على الرغم من وجود الأقارب.
10- انتهاكات تتعلق بحق الحصول على ملجأ: حيث يتم الضغط على الشركات المالكة لشقق سكنية لإخلاء المنتمين إلى حركة الخدمة من مساكنهم.
11- انتهاك حق الإدلاء بمعلومات: حيث يتم حظر المعلومات المتعلقة بالمحتجزين والمعتقلين إلى باقي أفراد الأسرة.
الضحايا وردود الفعل الدولية
لقد أصبح المنتمون إلى حركة الخدمة محط أنظار عملية تطهير ما بعد الانقلاب، ومع ذلك لم تقتصر تلك العملية على أنصار حركة الخدمة فقط، بل نال الكماليون والعلويون والليبراليون والأكراد والمجموعات الأخرى غير الموالين لأردوغان نصيباً منها. كما أشار إلى هذا “أمين توشل أشان” الكاتب المشهور في جريدة “سوزكو اليومية”، أن من بين ضباط الجيش المحتجزين والمعتقلين كماليين يعرفهم شخصيا.
وزعمت الصحف الموالية لأردوغان أن قناة “بي بي سي” كانت تحاول تأليب العلويين ضد الحكومة بعد فشل محاولة الانقلاب، وأوردت وسائل الإعلام أنّ هناك اتجاهاً من الحكومة لاستئصال العلويين من المناصب القضائية في أعقاب المحاولة الانقلابية.
ففي الثامن من سبتمبر/أيلول تم إيقاف 11,500 معلم كردي عن العمل بحجة انتمائهم لمنظمة إرهابية، كما تأثرت بذلك وسائل الإعلام القومية واليسارية بالإضافة إلى الصحفيين والموظفين الحكوميين.
وتظهر الأرقام في الصفحة التالية المؤسسات التي وقعت ضحية هذا الانقلاب الفاشل.
وسائل الإعلام: تم إغلاق أكثر من 120 وسيلة إعلامية، وتتضمن وسائل الإعلام التي تعرضت للإغلاق قنوات تلفزيونية وإذاعية وصُحُف ومجلات، وقالت “نينا أوجانيانوفا” منسقة البرنامج الأوروبي ووسط آسيا للجنة حماية الصحفيين: “إنها تأسف لما يحدث لوسائل الإعلام في تركيا وإن ما يتعرضون له أمراً خطيراً”.
الصحفيون: كان الصحفيون ووسائل الإعلام من بين أولى أهداف هجوم ما بعد الانقلاب، وبالإشارة إلى الصحفيين الذين تم إلقاء القبض عليهم، قال“ماهر زينالوف” كاتب العامود الحالي لدى جريدة “هافنجتون بوست” و الكاتب السابق لدى جريدة”توديز زمان”، والذي طردته الحكومة التركية من تركيا في وقت سابق: “كان هؤلاء الصحفيون متنوعين بين كبير وصغير، محافظ ويساري، روائي واقتصادي ومتخصص في الشأن العسكري وغير ذلك، وهذا يدل على التنوع الفكري والمجال التخصصي للصحفيين الذين وضعوا في السجن، ويبرهن على أنّ جميع أطياف المجتمع التركي الكبيرة لا تستطيع التكلم والحديث نتيجة الخوف وتكميم الأفواه من قبل الحكومة”.
وفيما يلي بيان لضحايا عملية تطهير ما بعد الانقلاب:
الصحفيون ووسائل الإعلام
المتعاطفون مع حركة الخدمة
الكماليون
الوطنيون
الأكراد
العلويون
الليبراليون
اليساريون
وكان من بين الصحفيين المعتقلين الصحفية المحنكة صاحبة الـ 72 عاما والبرلمانية السابقة “نازلي إيجليك”، الذي وجهت إليها تهمة الانتماء لجماعة إرهابية، وفقا لوكالة أنباء الأناضول المملوكة للدولة. وفي واقعة أخرى، ألقت السلطات التركية القبض على زوجة الصحفي التركي “بولنت كورجو”، الذي انتقد الحكومة التركية. ووفقا لجريدة “توركيش مونيت”، فقد استحوذت حادثة “كورجو” وفي وقت قصير على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت حديث الساعة بين النشطاء والصحفيين، عبروا فيها عن غضبهم من اتباع الحكومة أساليب العصابات للقبض على الناس في دولة كان من المفترض أن القانون هو السائد فيها.
ومثال أخر لانتهاكات حقوق الإنسان مع حدث مع “بياتريز يوبيرو” الطالبة والصحفية الإسبانية، التي سٌجنت بتهمة كتابة تغريدات تنتقد فيه الرئيس رجب طيب أردوغان على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وأثناء فترة احتجازها حُرمت من الطعام والماء ومن الرعاية الصحية، كما حٌرمت من مراسلة أسرتها ومحاميها ومنعت التواصل معهم، ثم طُردت بعد ذلك من تركيا.
وجاء الهجوم السابق على الصحفيين ووسائل الإعلام بعد الانقلاب؛ ليشكل مرحلة جديدة ومحاولة من محاولات الرئيس التركي أردوغان تكميم أفواه المعارضة في وسائل الإعلام، وتضمن نمط الإجراءات المتخذة ضد الصحفيين المـُستَقلّين، تلفيق قضايا الإرهاب وشطب اسمائهم من نقابة الصحفين وسحب كارنية الصحافة منهم، إلى جانب حملات التشويه التي تقوم بها وسائل الإعلام، ووضع بعض الصحفيين في القائمة السوداء وحرمانهم من حضور المناسبات الحكومية، وتوقيع الغرامات المالية على أصحاب وسائل الإعلام المعارضة بين الحين والآخر.
القضاة ووكلاء النيابة: تم فصل 3,465 قاضياً ووكيل نيابة من مناصبهم، كما تم القبض على أكثر من 2,000 في فترة ما بعد الانقلاب، وشبهت صحيفة “نيويورك تايمز” هذا الفصل التعسفي للقضاة بأن عددهم يعادل القضاة العاملين في كل من كاليفورنيا وتكساس ونيويورك وجورجيا. كما تضمن المقبوض عليهم عضوين من المحكمة الدستورية العليا، أي ما يقابل المحكمة العليا الأمريكية. حيث اعتقلت السيدة “نيسيبي أوزير”، عضوة المجلس الأعلى للقضاة والمدعين، والتي أُقيلت من منصبها وحُبست في سجن انفرادي والتي بدأت إضرابا عن الطعام في الفترة الماضية.
ونشر حساب “تويتر” تابع لأحد مؤيدي حزب العدالة والتنمية ، أن جميع المحتجزين المنتمين إلى حركة الخدمة يجب نقلهم إلى الحبس الإنفرادي لسهولة السيطرة عليهم في حالة إحداث أي شغب داخل السجن، وقد بدأت الحكومة في توظيف قضاة جُدد، وعلى ما يبدو أنهم موالون للحزب، من غير خبرة أو تدريب كاف.
المعلمون والمدارس: هناك 21,000 معلم بالمدارس الخاصة لم يوقفوا عن العمل فحسب وإنما تم سحب رخص التدريس منهم. كما قامت الحكومة، من خلال موجة متقطعة من عمليات التطهير، بطرد 11,000 مُعلم كُردي بدعوى انتمائهم لحزب العمال الكُردستاني.
وقد أغلقت الحكومة 2099 مؤسسة تعليمية تشمل مئات المدارس والجامعات التابعة لمؤسسة “ك-12”، ووفقا لتقارير إعلامية، اضطر 13,800 تلميذ إلى الإنتقال إلى مدارس مختلفة ، وأحيانا ما كانوا يتعرضون للإعتداء بسبب قدومهم من مدارس تابعة لحركة الخدمة.
الأكاديميون: أجبرت الحكومة جميع العمداء في كل الجامعات ، بإجمالي 1,500 عميد، على تقديم استقالتهم بدون سبب قانوني أو إعلامهم إذا كان من المتوقع أن يعودوا إلى أعمالهم لاحقاً أو لا، في حين تم إرغام بعض الأكاديميين على تقديم استقالتهم لزعم انتمائهم بحركة الخدمة، وليس هذا فحسب تم أيضا فصل البعض الآخر ممن وقعوا على عريضة ينتقد فيها الحكومة أثناء هجوم قوات الأمن على حزب العمال الكُردي.
رجال الأعمال: تم استهداف المئات من رجال الأعمال من خلال إجراءات مثل التحريات غير العادلة، توقيع الغرامات المالية، تعيين الحراسة الإجبارية لإدارة شركاتهم، ومصادرة كافة الأعمال والأموال.
فقد تم مصادرة ووضع شركات رجل الأعمال “أكين إيبك” والبالغ عددها 18 شركة وتقدر قيمتها بملايين الدولارات عندما كان خارج تركيا، كما تعرضت والدته لمضايقات حيث استولت الدولة على مالها الخاص كما منعتها قوات الأمن من دخول المنزل، كما تم إلقاء القبض على أفراد أسرة “بويدك” الذين يمتلكون أكبر شركة لصناعة الأثاث في مدينة “قيصري” بتهمة دعم المنظمات غير الربحية التابعة لحركة الخدمة من خلال تبرعاتهم الخيرية.كما توفي رجل الأعمال “مصطفى تُرر” في الحجز بسبب مرض السكر.
نماذج من الاعتقالات
1- اعتقال الكاتبة والمناضلة الصحفية “نظلي إليجك” التي تبلغ من العمر 72 عاماً.
2- أثار التعذيب على المعتقلين حيث تُظهر الصورة أثار التعذيب على “لفنت تورك كان” مساعد رئيس الأركان.
3- وفاة المدرس “جوكان إجيك أغلو” بعد منعه من الرعاية الصحية وعندم تناوله دواء مرض السكر الذي كان يعاني منه.
4- اعتقال الدكتور والكاتب الصحفي “شاهين ألباي”.
5- وفاة رجل الأعمال المعتقل “مصطفى تورار” والمريض بداء السكر، إثرا تعرضه لأزمة قلبية.
6- الاستيلاء على 18 شركة مملوكة لرجل الأعمال “آكين إيبك” بدعوى علاقته بحركة كولن.
7- اعتقال الروائية والناشطة المشهورة في الشؤون التركية “أصلى أردوغان” وعدم صرف علاجها التي كانت تأخذه على نفقة الدولة، وذلك انتقادها تكميم وسائل الإعلام في تركيا.
8- اعتقال زوجة الصحفي “بولنت كروجو” وتم تهديد أطفاله من أجل إجباره على تسليم نفسه.
9- اعتقال “دو دو جاكير البالغة” من العمر 86 سنة والدة المحامي محمد جاكير لحين تسليم نفسه.
10- تنظيم حزب العدالة والتنمية الحاكم مسيرات تحرض فيها على الأستاذ فتح الله كولن إلى جانب خطاب الكراهية الذي قيل فيها.
11- صورة تظهر جانب من جوانب خطاب الكراهية والعنصرية من قِبل أتباع الحزب الحاكم، حيث علق صاحب المحل يافطة مكتوب عليها “ممنوع دخول أعضاء منظمة كولن الإرهابية”.
12- إلغاء جواز سفر “ديلك دون دار” زوجة المدير السابق لجريدة الجمهورية التركية ذات التوجه الكمالي.
13- منع كل من الكاتبين والأخوين “أحمد ألطان” و “محمد ألطان” من التواصل مع محاميهما.
14- فسخ عقود المغنية “صِلا” وتعرضها لحملة تشويه من قِبل الإعلام التابع لحزب العدالة والتنمية بعد رفضها الغناء في حفل من تنظيم الحزب.
وأوردت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أنها تمتلك تقاريرا موثقة تدل على أن شرطة أنقرة وإسطنبول تضع المحتجزين في أوضاع ضغط لمدة تصل إلى 48 ساعة، إلى جانب حرمانهم من الطعام والماء والعلاج الطبي في بعض الأيام، كما تسئ لهم لفظيا وتهددهم. وفي بعض الأحيان تصل تجاوزات الشرطة إلى الضرب والتعذيب بما فيها الاغتصاب.
هذا وقد انتقدت عدد من منظمات حقوق الإنسان وزعماء العالم وصحفيين حملة التطهير التي شُنت بعد الانقلاب وخاصة انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا. تقول “أما سينكلير” رئيسة مرصد حقوق الإنسان التركي: “نحن نُدين بشدة الهجوم المتواصل على وسائل الإعلام والصحفيين، والذي من شأنه أن يضر بالديمقراطية التركية، وإن كافة الممارسات التي قامت بها الحكومة التركية ضد وسائل الإعلام والصحفيين بتهمة انتمائهم إلى حركة فتح الله كولن والتي تتهمها الحكومة التركية بتدبير المحاولة الانقلابية الفاشلة بدون أي دليل يثبت صحة ما تقوله الحكومة يثيرُ الريبة والشك”.
وفي نفس السياق، قالت “نينا أوجنيانوفا” منسقة برنامج لجنة حماية الصحفيين في أوروبا ووسط آسيا: “لقد قامت السلطات التركية طوال السنوات الماضية بمضايقات وإرهاب العاملين بـصحيفة “أوزجور جوندم” ثم أغلقتها في النهاية، فلا يمكن لانقلاب يوليو الفاشل أن يٌبرر إغلاق تلك الجريدة أو احتجاز الصحفيين العاملين فيها ومنعهم من مباشرة عملهم، إنّنا نطالب السلطات بإطلاق سراح الصحفيين المحتجزين والسماح للصُحُف بحرية النشر”.
وبعد احتجاز كل من “شبنام كورور فينجانج” و “أرول أوندر أوغلو” و “أحمد نسين” الصحفيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، أصدر بيت الحرية البيان التالي: حيث قال “دانيل كالين جرت” نائب الرئيس التنفيذي: “لقد أظهر سجن الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بتهمة الترويج للإرهاب، مدى الغموض والفجوة في القوانين التركية، وأحب أن أقول للإتحاد الأوربي إنّه يجب عليكم الوقوف بحزم في وجه انتهاك القانون وتكميم الأفواه الذي تمارسه الحكومة التركية ضد المعارضين، وعدم إكمال المفاوضات الخاصة بتحرير الفيزا بين كل من تركيا والاتحاد الأوربي، كما أطالب تركيا بإخلاء سبيل كل من “شبنام كورور فينجانج” و “أرول أوندر أوغلو” و “أحمد نسين” على الفور”.
كما طالب عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان “زيد رعد الحسين” السلطات التركية بالالتزام بحقوق الإنسان، وذلك حسبما ورد في بيانه التالي:
ينتابني الحزن على فقدان أرواح العديد من أبناء الشعب التركي في نهاية الأسبوع، كما أقدم أصدق التعازي لأسر القتلى، لقد ضرب الشعب التركي مثلاً في الشجاعة بخروجهم إلى الشارع لحماية وطنهم ممن حاولوا تقويض أسس الديمقراطية، وأناشد الحكومة التركية بتطبيق سلطة القانون ودعم حماية حقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية، كما يجب محاسبة كل شخص تورط في أعمال العنف وفق ما تنص عليه العدالة مع الالتزام بمعايير المحاكمة العادلة، ولا تنسى الحكومة التركية بعد تلك التجربة المؤلمة، أنه من الضروري أن تضمن عدم التفريط في حقوق الإنسان وذلك تحت مسمى حفظ الأمن”.
على الرغم من الدعم الذي لاقته حكومة أردوغان من الدول الغربية، إلا أنّ المأساة الإنسانية وعملية تطهير ما بعد الانقلاب لم يكونا موضع ترحيب من الكثير، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: “نحن نقف بجانب القيادة المنتخبة في تركيا، ولكنّنا أيضا نناشد الحكومة التركية بضبط النفس وحفظ الأمن في البلاد، وبالتأكيد ندعم تقديم مدبري الانقلاب للعدالة، ولكننا نحذر أيضا من تداعيات هذا الموقف”. كما طالب كيري تركيا بتقديم الأدلة والبرهين التي تثبت وقوف فتح الله كولن خلف هذا الانقلاب بدلاً من الادعاءات التي لا دليل عليها.
قالت “ فيديريكا موغيريني “ مسئولة الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “يجب على أنقرة أن تتجنب القيام بالخطوات التي من شأنها أن تضر بالنظام الدستوري في تركيا”.
وأعرب “جينز ستولتنبيرج” أمين عام منظمة حلف شمال الأطلسي بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس أردوغان: “من الواجب على تركيا أن تكون مثلها مثل الحلفاء الآخرين، وأن تضمن الاحترام الكامل للديموقراطية ومؤسساتها والنظام الدستوري، وأن تكون سلطة القانون هي السائدة، بالإضافة إلى الحريات الأساسية”.
قال “ستيفن سايبرت“ المتحدث باسم الحكومة الألمانية: “إن أية محاولة من قبل الرئيس التركي لإعادة عقوبة الإعدام من شأنها أن تقضي على مباحثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي”.
وأكد “سايبرت” في مؤتمر صحفي في برلين “أن الدولة التي تطبق حكم الإعدام لا يمكن أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، إذاً فتطبيق عقوبة الإعدام في تركيا قد يعني نهاية مباحثات العضوية، ولسوء الحظ أردوغان لا يبلي من سيل الانتقادات والإدانات الموجهة له، ومازال مستمر في تنفيذ عملية تطهير ما بعد الانقلاب بمزيد من الوحشية”.
القصة الرسمية تساؤلات وبدائل أكثر منطقية
يمكن توضيح الرواية الرسمية التي ترويها حكومة أردوغان حول محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو/تموز 2016 كما يلي:
علمت مجموعة من ضباط الجيش المنتمين إلى حركة الخدمة أنهم بصدد الاستبعاد من الخدمة في اجتماع المجلس الأعلى للجيش في أغسطس القادم، فدبروا انقلاباً لحماية أنفسهم وللسيطرة على الحكومة وزمام الأمر في تركيا، وبعد ثلاث ساعات فقط من ظهور البوادر العامة للمحاولة الانقلابية، أعلن أردوغان في مكالمة هاتفية قام بها من خلال برنامج اسكايب على قناة “سي إن إن ترك” أن تلك المحاولة هي من تدبير مجموعة صغيرة في صفوف الجيش من أنصار “كولن”.
وأدان “فتح الله كولن” تلك المحاولة الانقلابية في بدايتها، ففي الساعات الأولى من الانقلاب أدانت كل المنظمات التي تتبع حركة الخدمة هذا الانقلاب، تلى ذلك خطاب شخصي لكولن. وتم رصد إدانة كولن للانقلاب من قبل الصحافة العالمية، حيث أعلن كولن في مقالات افتتاحية ومؤتمرات صحفية عدة عن موقفه الثابت من الديموقراطية ورفضه كل التدخلات العسكرية.
وقال الأستاذ فتح الله كولن لجريدة “نيويورك تايمز”: “إن فلسفتي هي التعددية الشاملة وخدمة البشرية من كل الأديان، وهي ضد الانقلابات العسكرية بكافة أنواعها”.
ودعا في مقالته الإفتتاحية في جريدة “لي موند” الفرنسية إلى إجراء تحقيق دولي حول عملية الانقلاب الفاشلة في تركيا وضرورة الإلتزام بنتائجها.
وحتى لو ثبت تورط بعض المؤيدين لكولن في تلك المحاولة، فليس بالضرورة أن يكونوا هم من قادوها. حتى أن الأستاذ كولن قد قال: “لو ظهر أنّ أحد من مؤيدي حركة الخدمة قد تورط في تلك المحاولة فهو خائن لمبادئي ولفكر الحركة”.
هذا وقد تضمنت تفسيرات الحكومة لقصة الانقلاب ومحاولاتها لتبرير عملية تطهير ما بعد محاولة الانقلاب ثلاث أمور:
أولاً: تجاهلت الحكومة تماماً القاعدة الواسعة من مدبري الانقلاب الحقيقيين وركزت فقط على مؤيدي كولن المزعم تورطهم في تلك المحاولة.
ثانياً: أخفقت الحكومة في الإجابة على الإستفسارات والمتناقضات التي ذكرتها في رواياتها الرسمية.
ثالثاً: حاولت الحكومة تبرير عملية التطهير الشاملة عن طريق نسب جرائم القتل إلى مدبري الانقلاب واتهامهم بتهم كثيرة مثل استهداف المدنيين وتفجير مبنى البرلمان.. إلخ.
الرواية الرسمية التي تقدمها الحكومة التركية من أجل تبرير حملات الاعتقال وعملية التطهير وتحتوي على ثلاثة أمور
1- تجاهل الحكومة التركية منفذي الانقلاب الحقيقيين والتركيز فقط مع حركة الخدمة.
2- الفشل في الإجابة عن الأسئلة والتناقضات التي تطرحها الرواية الرسمية.
3- تبرير حملات الاعتقال من خلال التركيز على إظهار الأحداث الدموية ليلة الانقلاب مثل استهداف المدنيين وتفجير مبنى البرلمان، حتى يظل الشعب في حالة تأجيج للمشاعر دائما.
ولنتحدث في كل نقطة على حدة
المعلومات المضللة وتجاهل الانقلابيين الحقيقيين
تتجنب الحكومة التركية بانتظام مناقشة الضباط المعتقلين الذين وصفوا من قبل المراقبين المستقلين بأنهم كماليين متشددين و قوميين جُدد، وتبالغ في المعلومات الخاصة بمؤيدي كولن الواقعين تحت سطوة التعذيب والتهديد، كما أنها تتهم حركة الخدمة بالمشاركة الكاملة في الانقلاب. وتتكتم الحكومة على أية معلومات تصدر من أقوال الضباط المحتجزين الذين لا يؤيدون القصة الأصلية، حيث تم إلغاء المقابلات بين المحامين وموكلوهم بسبب حالة الطوارئ، كما يتعرض المحتجزون إلى التعذيب والتهديد بشكل مستمر.
إن سيطرة أردوغان على وسائل الإعلام مع التكتم على الروايات المخالفة يجعل معظم المواطنين الأتراك والملاحظين والأجانب القائمين في تركيا يتداولون رواية واحدة فقط، فأي أحد لا يُردد القصة الرسمية ولو كان مؤيداً للديموقراطية وغير راضٍ عن الانقلاب سيوصف بداعم للانقلاب، وأصبح الأفراد في المجتمع يرددون هذه الكلمة “فاتو”-وهو لفظ واختصار اخترعته الحكومة التركية لتصف به حركة الخدمة-، كما أن الحكومة تسعى لنشر مناخ الخوف المجتمعي في مسعى منها لتكميم الأفواه المعترضة.
تسبب الرئيس أردوغان في موجة كبيرة من السخط في صفوف الجيش التركي خلال فترة حكمه التي تقدر بـ13 عاماً كرئيس للوزراء أولاً ثم كرئيس للجمهورية ثانياً. ويرجع ذلك إلى سببين:
أولاً: يُعتبر الجيش التركي معقل الهوية الرسمية للجمهورية التركية، التي قامت على مبادئ مصطفى كمال أتاتورك أبو الجمهورية ومؤسسها.
ثانياً: قلّل أردوغان في فترته الثانية والثالثة خلال حكمه من شأن المبادئ الأساسية للسياسة الأتاتوركية، ألا وهي التوجه الغربي للدولة التركية والفصل بين السلطات إلا أن أبشع عمل قام به استخدم الدين للأغراض السياسية، وقد كان أتاتورك معارضًا بشدة لاستخدام الدين الإسلامي في أغراض سياسية. ولكن أردوغان يستخدم لغة الدين ورموزها بشكل كبير من أجل تحقيق أهداف سياسية، وظهر هذا جلياً خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكمه.
علاوة على ذلك، أُجريت محاكمات في الأعوام من 2008 حتى 2010 لضباط الجيش المزعم تورطهم في تخطيط انقلاب ضد الحكومة، حتى إن رئيس هيئة الأركان تم اعتقاله وسجنه بتهمة الإرهاب والتخطيط لمحاولة انقلابية، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية.
حيث أطلع ضابط الشرطة المسؤول عن التحقيق مع رئيس الأركان الأسبق “إلكار باش بوغ” في هذه الحادثة الرأيَ العام في لقاء تلفزيوني: “أنه اكتشف تمويل رئيس الأركان وبمال الدولة لمواقع إلكترونية عدائية ضد حزب العدالة والتنمية، وأن السيد أردوغان كان على علم بمجريات التحقيق معه وأصر على إلقاء القبض على رئيس الأركان السابق. مما سبب هذا الأمر حرجا كبير لرئيس الأركان وحالة من السخط داخل قادة الجيش التركي.
وبالفعل برزت معلومات على السطح بشأن شخصيات بارزة في تلك المحاولة الانقلابية، وتشير هذه المعلومات أنّ قاعدة عريضة تضمنت مجموعة من الضباط المنتمين إلى الكماليين والقوميين الجدد، بالإضافة إلى الذين كانوا على وشك التقاعد معتقلين في هذه القضية.
كما أشارت مصادر عدة تضمنت خبراء مُستَقلِّين غير متعاطفين مع حركة الخدمة، إلى وجود ضباط من الكماليين والقوميين بين ضباط الجيش المعتقلين.
أما عن الخبراء المتستقلِّين الذين شككوا في الرواية الرسمية للدولة:
1- أحمد شك صحفي ومؤلف تركي: قال في حوار مع جريدة”ديوتش ويل توركيش” إن من بين الاسماء المحتجزة أشخاص قوميون وضد حركة الخدمة بشكل كبير.
2- إلكار باش بوغ، رئيس هيئة الأركان التركية السادس والعشرين: تحدث عن تواجد ثلاث مجموعات بينما “أحمد زكي أو كوك”، وهو قاض عسكري متقاعد، تحدث عن خمس مجموعات من بينهم مجموعة من المبتذين.
3-جاريث جينكينز باحث في برنامج طريق الحرير، معهد الأمن والتنمية السياسية جامعة جونس هوبكينز: توجد عددة شبهات حول الرواية التي قالها حزب العدالة والتنمية والتي تنص على أنّ محاولة الانقلاب هذه من فعل جماعة كولن، حيث إن بعض الضباط الذين ذُكرت اسمائهم وثَبُت تورطهم ينتمون إلى جماعة الكماليين المتشددين.
4-سفانت كورنيل، مدير معهد وسط آسيا القوقازي، وبرنامج دراسات طريق الحرير بجامعة هوبكينز قال: “أرى أنّه يوجد مجموعة من الضباط تابعين لحركة الخدمة إلا أنّ وظائفهم متوسطة في الجيش ومن الرتب الصغيرة ولا أحد منهم وصل إلى مرتبة الجنرالات ذوي الثلاث والأربع نجوم، ومن الواضح أيضاً أنهم لم يقوموا بتلك المحاولة بأنفسهم، فتورط جنرالات الجيش الكبار والواضح لا يبدو أن لديه أي صلة بحركة كولن. ويبدو أنّ الانقلاب قد نُفذ عن طريق تحالف مشترك بين طائفة من مدرسة الكماليين القديمة والضباط المنتمين لأردوغان، وإن كان هذا صحيحاً فإنه يعني أن أردوغان تحالف مع كبار قادة الجيش ضد أتباع كولن، ومن الممكن أيضا أنّ هناك طائفة عسكرية أخرى تحالفت مع أتباع كولن ضد أردوغان.
5-مايكل روبن، أستاذ بمعهد المشروعات الأمريكي: أحب أن أوضح أن كولن لم يكن له أبداً قاعدة قوية في صفوف الجيش، لأن هيئة الأركان التركية طالما رفضت ترقية كثير من الضباط خوفاً من تدرج أتباع كولن في تلك المناصب، كما أن هناك إمكانية لتورط الضباط ذوي الاتجاهات الكمالية في تلك المحاولة بدلاً من الذين قال عنهم أردوغان.
6-أوميت سيزر، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول شهير: أوضحت أنّ هناك ثلاثة جماعات بين مدبري الانقلاب مستشهدة بما قاله “قدري جورسيل”الذي يعمل لدى جريدة”المونيتور” وباحث لدى معهد دراسات الحرب.
7-إيريك جان زوركير، هو خبير هولندي في الشأن التركي وقد منح ميدالية التفوق من الدرجة الأولى من قبل الحكومة التركية يقول: إنّه وبسبب الحكم الأردوغاني الدكتاتوري أصبحت الرواية الرسمية للحكومة التركية محط شك. وأرى أنّ هناك جماعات أخرى متورطة في تلك المحاولة، وربما أن المعارضة قد صدقت رواية أردوغان الرسمية في هذه الحادثة من أجل الحفاظ على أنفسهم ومناصبهم.
8-مقالة تحريرية في جريدة الجارديان البريطانية: تقول هناك بعض المراقبين الخارجيين يعتقدون أنّ مدبري الانقلاب في الغالب، لم يكونوا غالبا من العلمانيين القدامى في عرف القوات المسلحة التركية.
كما أن هناك بعض من المفكرين مثل “إسماعيل بيسيكي” و”جميل جوندغان” أكدو الرأي القائل بتورط الكماليين والقوميين في تلك المحاولة.
س- وقد يسأل سائل ما هي الأسباب وراء اتهام أردوغان لفتح الله كولن بالتحديد؟
هناك سبب عملي وراء اختيار أردوغان للمتعاطفين مع كولن بالتحديد

جنرال بهاء الشامى

هناك تعليق واحد:

  1. جهد كبير يا جنرال ؛ تحليل قوى ؛ نشكرك بوضعه بالمدونتكم ؛ بعداذنك الموقف المصرى الان بعد تهديد سوريا بضرب مطار تل ابيب ؛ هل كلام الممثل السورى بالامم المتحدة مجرد شئ لزوم الشئ ؛ ام هى تلاميحات معينة ؛ وبالفرض حدث هذا ؛ ما هى الصورة التى ترونها للموقف بالنسبة لمصر بصفة خاصة ؛ ورسيا وتركيا بصفة عامة ؛ وخصوصا اصبحت المصالح الاقتصادية هى المتحكمة فى سياسة الدول - شكرا لكم جنرال لو تفضلتم واوضحتم لنا بعض الامور الخافية علينا

    ردحذف