الخميس، 7 فبراير 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 37


" نجران ... ويثرب " " د "
تسامع بنو هاشم بما عزمت عليه قريش من إستفتاء اليهود بيثرب ، في نبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فتوجَّسوا شرًّا من هذه العصابة الخبيثة.
واسترجعوا ذكرى بعيدة للعم أبي طالب بن عبد المطلب ، حين مرّ بالراهب بحيرى في طريقه إلى الشام في رحلة صيف. وكان قد صحب معه ابن أخيه محمداً ، غلاماً لم يبلغ العاشرة من عمره ، فلما رآه الراهب بحيرى ، توسم فيه ملامح غده ، ونصح لعمه أن يعود به إلى بلده ، وأن يحذر عليه شر يهود.
وقد مر علي ذلك التحذير بضعة وثلاثون عاماً ، نسي فيها بنو هاشم ما كان ، وغاب صوت الراهب التقي في ضجيج الأحداث وكر السنين. حتى بدا لقريش أن تستفتى في أمر محمد ، هؤلاء الأشرار الذين ذكرهم الراهب بحيرى لأبي طالب وحذره علي ابن أخيه من شرهم.
علي أنه ما كان لأحد من بنى هاشم أن يرد قومه قريشاً عما أرادوا ، وقد فسد ما بينهم منذ انحازوا إلي أبي طالب في نصرة محمد عليه الصلاة والسلام.
ولم يبق إلا أن ينتظروا وتنتظر مكة كلها ، ماذا يكون من فتوى الأحبار من يهود!
أخذ "النضر بن الحارث وعقبة بن معيط" طريقهما إلى يثرب موفدين من قريش إلي أحبار يهود ، التماساً لرأيهم في أمر محمد.
وكانت يهود قد استعدت للقائهما وأعدت فتواها.
وأسعفها مكرها فلم تفاجئ وافدى قريش بجحد صريح مباشر لنبوة طالما بشرت بها ، بل آثرت أن تشغل القوم بمسائل تبلبل أفكارهم وتُعنِّت نبي الإسلام.
واحتال الأحبار على "النضر وعقبة" فاقترحوا عليهما أن يعودا إلى قومهما فليسألوا هذا الداعى عن ثلاث. قالوا:
"سلُوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب!"
"
وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وما كان نبؤه.؟"
"
وسلوه عن الروح ما هى؟"
"
فإن أخبركم بذلك فاتبعوه ، وإن لم يفعل فهو رجل متقوِّل فاصنعوا في أمره ما بدا لكم".
وعاد الرجلان إلي مكة ، فاتجها فور وصولهما إلي منتدى قريش فأبلغاهم فتوى الأحبار.
وعجلوا إلي المصطفى يعنتونه بالمسائل الثلاث ، فاستمهلهم صلى الله عليه وسلم ، عساه يتلقي من وحى ربه ما يجيب عن أسئلتهم.
لكنهم ألحوا عليه بإعناتهم ، وقد عرفوا ألا جواب لديه عما يسألون .. 
حتى نزلت سورة الكهف وفيها الجواب عن أسئلة الأحبار.
وخاب مكر يهود.
وصدق الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم .. { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)} .. صدق الله العظيم.
**********
عزيزى القارئ:
_________
جَحَدَ: أنكر شيئاً مع علمه به - لم يعترف بالمعروف - قل خيره لفقر أو بخل - ضاق واشتد
تُعنِّت: سأل عن شئ يريد به اللبس عليه والمشقة - تعصب في رأى أو موقف وكابر عناداً - أدخل عليه الأذى
متقوِّل: قال عنه كلاماً فيه افتراء وكذب - اختلقه وافتراه - فاعل من تقوَّل
يعنتونه: من عنت وتعنى دخول المشقة علي الإنسان ولقاء الشدة والفساد والهلاك والإثم والخطأ
إعناتهم: مصدر أَعْنَتَ - أوقعه في شدة أو إثم - شدد عليه وألزمه ما يشق عليه تحمله - حملها ما لا تطيق
هُزُواً: استهزاءاً وسخريةً ولعباً وهزلاً ومجوناً وتهاوناً
عزيزى القارئ:
_________
كاتبتنا د. "بنت الشاطئ" تربط لنا بين مكر استفتاء اليهود بيثرب في نبوة سيدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ونصيحة الراهب بحيرى لعم سيدنا محمد صلاة الله وسلامه عليه وهو طفل في رحلة صيف للشام بأن يعود به من حيث أتى خوفاً عليه من شر يهود.
وقد ذكرت أنه كان عليه الصلاة والسلام قد بلغ العاشرة من عمره .. ولكن .. هناك روايات أخرى ذكرت أنه كان في الثانية عشرة .. فهذا لن نتوقف عنده كثيراً .. ولكن .. ما يهمنا أكثر الأحداث التى حدثت والاستفتاء الخبيث وبيان مكر الخبثاء .. وأن ذلك كان من أسباب نزول سورة "الكهف" التى ذكرت كاتبتنا أربع آيات فقط منها .. فلنحاول تفسيرها في سياق ماذكرتنا به:
" ينبئ الله تعالي بالأخسرين أعمالاً من الكافرين الذين قصدهم في الآية وما أعد لهم من جهنم وهم من خاب عملهم وزاد في وصفهم بأنهم الذين كفروا بكتبه وكفروا أيضاً بالبعث والحساب والثواب والعقاب وهم يظنون أنهم يحسنون فعل العمل .. وقد بطلت وفسدت أعمالهم الصالحة التى فعلوها في الدنيا وذهب نفعها فيوم الحساب لن يكون لها قيمة ولا وزناً وهذا كناية عن احتقارهم وعدم اعتبارهم ، بل ستكون نهايتهم المذلة والمهانة .. غير ما أعده الله لهم من عذاب أليم وشر مقيم ، وما أشبه هؤلاء الكفار ببعض المؤمنين الأشرار الذين كفروا بآيات ربهم فلم يتبعوها وبالآخرة فلم يعملوا حسابها وساروا وفق أهوائهم فلا يقومون بالعبادات ولا يجتنبون الموبقات فتفسد أعمالهم الأخرى الصالحة وقد سخروا واستهزأوا بآيات ربهم
ولنعود للفتوى فقال الخبثاء للوافدان من كفار قريش: فسلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل مُتَقَول - فأقبلا حتى قدما علي قريش فقالا قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، فجاءوا رسول الله "صلي الله عليه وسلم" فسألوه فقال: أخبركم غداً بما سألتم عنه .. فلم تكن لديه الإجابة وتوقع أن الله سيخبره بالوحى .. ولم يستشن "أى لم يقل إن شاء الله" .. فانصرفوا .. وفي أغلب الروايات أن النبي صلوات ربي وسلامه عليه انتظر وحى ربه خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك إليه وَحْيَّاً ولا يأتيه سيدنا "جبريل" .. حتى خاض أهل مكة في ذلك الأمر بأخبار السوء عن الرسول وأن الوحى لم يعد يأتيه .. الخ ، وقد حزن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً لعدم نزول الوحى عليه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة بالسوء .. ثم جاءه سيدنا "جبريل" من الله بسورة أصحاب "الكهف" .. وفيها معاتبته على حزنه وفيها أيضاً خبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطوَّاف وقال الله "ويسألونك عن الروح" فأنزل الله للرسول "فلعلك باخع نفسك على آثارهم" - "ولبثوا في كهفهم ثلثمائة" - فقيل يا رسول الله: سنين أو شهوراً؟ .. فأنزل الله: "سنين وازدادوا تسعاً" - "ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله" - يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا - وقال اليهود: أوتينا علماً كثيراً .. أوتينا التوراة بالعلم ومن أوتى التوراة أوتى خيراً كثيراً .. فنزلت "فلو كان البحر مداداً لكلمات ربي" - صدق الله العظيم.
فعلاً إنهم قوم مكر وخبث وفتنة .. وأترك لكم رابط فيديو مبسط لقصة لقاء الراهب بحيرى مع عم الرسول صلى الله عليه وسلم مدته 4:34 دقيقة
اللهم صلِّ على سيدنا "محمد" عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمى الصادق الأمين بقدر عظمة ذاتك في كل وقت

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق