الخميس، 21 فبراير 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 48


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 2 -
" هجرة ... وتاريخ " " ب "
ومضت أيامٌ وليالٍ ، لم يكن لمكة فيها من شاغل إلا تلك المطاردة العنيفة ، تعدو فيها قريش وراء مُهاجر أعزل إلا من إيمانه.
وتضاربت الأنباء في الطريق التى أخذها ، حتى جاء الخبر من يثرب أن المصطفي بلغ دار هجرته آمناً.
ووعت أذن الزمان ما لا نزال نردده في كل عيد للهجرة ، من هتاف المدينة في ترحيبها بالمهاجر العظيم ، وما وجد في دار هجرته من مأمن ونصر.
وفي واقع التاريخ أن الهجرة لم تنه الجولة الفاصلة بين الإسلام وبين الذين تصدوا له بالعداوة والكيد والحرب.
وإنما كانت بداية لهذه الجولة الفاصلة ، بقدر ما كانت أثراً لما سبقها من أحداث ، وتحركاً إلى موقع جديد بعد جولة مريرة استغرقت ثلاثة عشر عاماً في البلد العتيق.
فإذا كان في الناس من يتصورون أن منافذ الخطر قد سُدت بمجرد انتقال المصطفى من دار مبعثه ، وأن الإسلام صار بمأمن من كيد أعدائه بمجرد أن أوى إلي الأنصار في دار هجرته.
فالذى يعرفه الواقع التاريخى أن الصدام المسلح بين الإسلام والوثنية القرشية لم يبدأ إلا بعد الهجرة. وبدأ معه في الوقت نفسه ، نضال شاق بالغ الصعوبة والحرج ، مع عصابات يهود التى تصدت للإسلام بعد الهجرة ، وألقت في المعركة بكل ما تملك من أسلحة خبيثة مسمومة.
والذى تعرفه السيرة النبوية ، أن المصطفى والذين آمنوا معه من المهاجرين والأنصار ، واجهوا مع الهجرة مرحلة خطرة معقدة ، كان عليهم فيها أن يخوضوا حرباً في أكثر من جبهة ، وأن يستبسلوا في الجهاد تحت لواء عقيدتهم ومن حيث يأتيها الخطر، من مواقع مكشوفة سافرة ، وأخرى خفية ماكرة ...
والتحول التاريخى لموقع المعركة ، لا يمكن فهمه على الوجه الشائع الذى يحسب الهجرة عزلت مكة عن مسرح الأحداث ، وفيها البيت العتيق ، أول بيت عُبد فيه الله على الأرض ، وفيها المركز الدينى الأكبر للوثنية العربية.
بل تظل مكة في صميم الصراع الدائر مهما ينتقل موقعه إلي شمال الحجاز.
ويظل البيت العتيق قبلة المهاجرين والأنصار في دار الهجرة ، كما كان قبلة العرب على تتابع الأجيال من قديم العصور والآباد.
وفي مكة كان مهد المصطفي ومبعثه ...
وفيها مستقر الوثنية العربية من قديم موغل في القدم ، ولم تكن الأرستقراطية القرشية التى ورثت وظائف الشرف الدينية في أم القرى وحققت بها نفوذها علي القبائل ، مستعدة لأن تتخلي عن نضالها للإبقاء على الأوضاع الموروثة والأعراف الراسخة ، والدفاع عن دين الأسلاف.
وما تجنبت الصدام المسلح مع الإسلام ، إلا رعاية لما للبلد العتيق من حرمة جعلته مثابة حج القبائل العربية ومركز مواسمها التجارية.
وكان في حسابها أن تواجه الخطر بالمفاوضة والمساومة ، ثم بالإلحاح في إيذاء المسلمين وتعذيب المستضعفين منهم ، وتحذير كل وافد إلى مكة في الموسم ، من الإصغاء إلى ما جاء به محمد من كلام وصفوه بأنه السحر ؛ يفرق بين المرء وولده وزوجه ، وأخيه وعشيرته ...
ثم كان الحصار المنهك وسيلة أخرى من وسائلهم في مقاومة الدعوة ، والترصد لمن يحاول الهجرة من المسلمين ، ومطاردتهم حيثما ذهبوا.
حتى كان عام الحزن ، إيذاناً بحتمية التماس منفذٍ من الأسوار التى سدَّت الطريق.
أحس المصطفي بموت زوجه خديجة وعمه أبي طالب ، فراغَ مكانهما في دنياه إحساساً حتى لتقول إحدى الصحابيات:
"
يا رسول الله ، كأنى أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة".
واجتاحه شعور بالغربة في بلده وبين أهله وعشيرته.
لكن بيعة العقبة الكبرى هى التى وجَّهت مؤشر الأحداث نحو يثرب.
وجاءت الهجرة التاريخية فنقلت إلي يثرب صميم المعترك وحددت مكانها منه ودورها فيه ...
دون أن تنأى بمكة عن مكانها في مركز الثقل لمصير التحول.
**********
عزيزى القارئ:
_________
يستبسلوا: يظهرون شجاعة - يقدمون على الحرب قاتلاً أو مقتولاً - يغضبون
خلة: الحاجة والفقر - الثقبة الصغيرة - الفرجة أو الشق في الخص وغيره
تنأى: تتباعد - تزداد المسافة - تتخذ
عزيزى القارئ:
_________
تؤكد لنا د. "بنت الشاطئ" أن بيعة العقبة كانت بادرة تحول في مسار الدعوة وأن الهجرة النبوية كذلك دعمت ذلك التحول ورغم ذلك لم تبتعد مكة عن مجرى ومغزى الأحداث الفاصلة بين الإسلام ومن تصدوا له بكل الوسائل. واستمرارهم في معاداة الرسالة حفاظاً على مكانتهم وسطوتهم ونفوذهم وتجارتهم كما كانوا يعتقدون .. وهذا كان بداية لمواجهة نضالية شاقة وحرجة لم تبتعد عنها عصابات يهود .. وتسترجع لنا رحلة المصاعب والأحزان التى مر بها نبينا الكريم "عليه أفضل الصلاة والسلام" منذ نزول الوحى لتبليغ الرسالة ..
وحيث أننا لازلنا في أنوار الهجرة النبوية .. أترك لكم رابط فيديو لإحدى المعجزات الإلهية الرائعة لنبي الله والتى واكبت هذه الرحلة الميمونة وهى معجزة العنكبوت علي فتحة الغار وفي سياقها تذكير لمعجزات أخرى لمن سبقوه من أنبياء ورسل .. مدته 16:46 دقيقة
عزيزى القارئ:
_________
ونواصل سيرة سيدتنا "آمنة بنت وهب" رضي الله عنها مع وليدها المصطفى عليه صلوات ربي وسلام:
عاشت "آمنة" فرحة سعيدة بوليدها تارة .. حزينة تعيسة تارة أخرى لذكرى حبيبها زوجها الغالى "عبد الله" أبو وليدها الذى لم يكمل معها من شهر العسل إلا أياماً معدودات لم تكتمل الأسبوعين بل أقل .. نعم بالكاد عشرة أيام.
إن "آمنة" زوجة مخلصة متفانية في إخلاصها لقد ظلت تخلص لزوجها ولذوى زوجها ولوليدها الذى خلفه لها زوجها عليه صلاة الله وسلامه.
لقد أحست "آمنة" بعد أن وضعت وليدها الوحيد "صلى الله عليه وسلم" أن الشطر الرئيسي الأكبر والأهم من رسالتها قد انتهى بمولد ابنها الموعود بأمجاد عظام "صلوات الله وسلامه عليه" .. كما انتهت من قبل رسالة أبيه زوجها "عبد الله" بعد أن أودعها نطفة ذلك الجنين الغالي في أحشائها "عليه الصلاة والسلام".
ها هى مكة أقدس بقاع الأرض ومحضن أول بيت وضع للناس وبعد تعاقب القرون والأحداث عليها وقد تفشت بها الوثنية في أهلها وتزاحمت الأصنام عند كعبتها .. أصبحت عاصمة للشرك بعد أن كانت عاصمة للتوحيد .. وتسكنها قريش بفروعها المتعددة وتتولي سدانة البيت وحفظ أصنامه وخدمة الحجيج وتحظى باحترام القبائل القريبة والبعيدة .. ومع مولد هذا الوليد كانت مكة علي قدَّر مُقدر لها بحدث تمتد أحداثه على مدار القرون والعصور التالية .. ذلك الوليد الذى ولد في شعب بنو هاشم في البيت الشريف "عبد المطلب بن هاشم" .. الذى توفي أبوه قبل أشهر من ولادته .. وفرح جده بمولده وحمله لجوف الكعبة تيمناً وسماه "محمد" صلى الله عليه وسلم.
وعلى عادة وجهاء أهل مكة أرسله إلي البادية ليسترضع في "بنى سعد" وليحمل من نقاء الصحراء أصالة النشأة وسلامة اللغة وقوة البدن وفصاحة اللسان .. وكان لذلك قصة .. أن المرضعات يأتين من البادية لمكة لإنتقاء وليداً من علية القوم ليجزلوا لهن العطاء حتى استكمال فترة الرضاعة أو أكثر .. وكانت من بينهن السيدة "حليمة السعدية" ففي هذا اليوم لم ترغب أى مرضعة فيه لأنه يتيم .. فتركوا لها هذا الطفل اليتيم "صلى الله عليه وسلم" وكان للسيدة "حليمة" حمارة عرجاء هزيلة ودائماً كُنَّ يسخرن لحالها .. فلم تجد السيدة "حليمة السعدية من وليد تأخذه لمقامها في البادية إلا ذلك الوليد اليتيم الذى أحست بحنين إليه فأخذته واحتضنته عائدة لديارها .. وبعد أن كن يسخرن من حمارتها العرجاء وتأخرها عن الركب تعجبن من سرعة سير حمارتها العرجاء .. 
وللأحداث بقية نعرفها بمشيئة الله في لقاء قادم إذا كان في العمر بقية.
" اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا "محمد" وعلى آله وصحبه أجمعين


 فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق