الأربعاء، 27 فبراير 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 54


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 8 -
" مسجد المهاجر وبيته " و"موازين القوى" و"الإسلام في الجبهات الثلاث: مع عصابات يهود ومع الوثنية القرشية ومع المنافقين" " د "
بعد أن تم بناء بيت المصطفي في دار هجرته ، بدت الحاجة ماسة إلي زوج تملأ هذا البيت ، وتهئ للرسول عليه الصلاة والسلام سكناً وملاذاً ، فيما يواجه من أعباء الرسالة في مرحلتها الحرجة الصعبة.
وكانت "عائشة بنت أبي بكر" قد لحقت بأبيها في المدينة ، وقبل الهجرة بثلاث سنين ، كان المصطفي قد عقد عليها بمكة ، ثم تمهل لم ينقلها إلى بيته هناك ، إذ كانت ظروفه وظروفها لا تعين على التعجيل بإتمام الزواج.
وقد سبقتها إلى بيت المصطفي في المدينة ، أم المؤمنين "سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس" التى مات عنها زوجها "السكران بن عمرو" إثر عودتهما من هجرة الحبشة ، فأشفق الرسول عليها ومد إليها يده الرحيمة ، يسند شيخوختها ويحمل عبئها بعد أن ناءت بما لقيت من أذى وغربة وترمل ...
وقنعت سودة بحظها من زوجها النبي: بر ورحمة ، لا حب وتآلف وسكن.
وأرضاها كل الرضي ، أن يشرفها النبي فيدخلها بيته أماً للمؤمنين ...
وبقيت حياة محمد صلى الله عليه وسلم فى بيته ، تقتات من ذكريات الزوج الحبيبة الراحلة "خديجة بنت خويلد" التى أوحشت دنياه منذ رحيلها ، في عام الحزن ، بعد أنسِ عشرةٍ هنيئة امتدت خمساً وعشرين سنة ، لم تشاركها فيها زوجة أخرى في بيت زوجها المصطفي أو قلبه ودنياه ...
وتهيأ مجتمع المدينة ليزف إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، عروسه الصبية الذكية "عائشة بنت أبي بكر" وتعلق بها الأمل أن تملأ في بيته وقلبه ، ذلك الفراغ الموحش الذي تركته أم المؤمنين الأولي.
وتم حفل العرس بسيطاً متواضعاً:
مضي محمد صلى الله عليه وسلم إلي منزل صهره الصدِّيق ، فجاءت "أم رومان ، زوج أبي بكر" بإبنتها العروس بعد أن سوت شعرها وغسلت وجهها وطيبتها.
وقدمتها إلى زوجها المصطفي ، وهى تدعو الله أن يبارك له فيها وأن يبارك لها فيه.
ولم تنحر جزور ولا ذبحت شاة ، بل كان طعام العرس جفنة من طعام ، هدية من "سعد بن عبادة الخزرجى الأنصارى" وقدحاً من لبن ، شرب تازوج المصطفي بعضه ، ثم قدمه إلى عروسه فشربت منه.
ونقلها إلي بيتها الجديد، وما كان هذا البيت سوى حجرة من الحجرات البسيطة التى شيدت حول المسجد النبوى ، من اللبن والجريد. وأثاثه فراش من أدم حشوه ليف ، ليس بينه وبين الأرض إلا الحصير. وفي مدخل الحجرة أسدل على فتحة الباب ستار من وبر وشعر!
وفي هذا البيت البسيط المتواضع ، بدأت "عائشة" حياتها الزوجية الحافلة ، وشغلت مكانها المرموق في حياة الرسول والإسلام.
ولم يكن وجود "سودة" على مقربة منها ، زوجة ثانية للرجل الذي تحبه عائشة بقلبها البكر ووجدانها المرهف وعاطفتها المتوهجة ، يشغل بالها في كثير أو قليل ، فما غاب عنها أن ليس لسودة في قلب زوجها مكان! وإنما الذى كان يشغل عائشة هو ذلك الحب العميق الذى حظيت به "خديجة" قبلها من الزوج المصطفى ، وتلك الذكرى الحية لمن استأثرت بكل عواطفه نحو ربع قرن من الزمان ...
والزوج الحبيب يروض عائشة على أن ترضي منه بحظوتها لديه ، ومنزلتها في قلبه وفي حياته ...
هل كانت عائشة طفلة ، كما يحلو لبعض المحدثين أن ينعتوها ، وهم يقيسون نضج المرأة في المجتمع العربي منذ أربعة عشر قرناً ، بمقاييس المجتمع الغربي في عصرنا؟
الذى يعرفه تاريخنا ، أن عائشة في صباها الغض وأنوثتها الذكية ، بدأت من اليوم لحياتها الزوجية تحقق وجودها في بيتها الجديد وتعى دورها الفذ في حياة زوجها الرسول البطل ، وتفرض شخصيتها على المجتمع المدنى، ثم على التاريخ الإسلامى الذى عرف لها أعمق الأثر في الحياة الفقهية والسياسية والإجتماعية للأمة الإسلامية ...
**********
عزيزى القارئ:
_________
ناءت: بعدت - أثقلت - أمالت - أعرضت
تنحر: تذبح - الأداء في أول الوقت - قابلته - واجهته
جزور: ما يصلح لأن يُذبح من الأبل (ولفظه أنثي) - يقال للبعير هذه جَزُرُ سمينة - الجمع:جزائر وجُزُرٌ
شاة: الواحدة من ذوات الظلف من الضأن أو الماعز أو البقر أو الظباء أو النعام من الذكر والأنثي
عزيزى القارئ:
_________
توضح لنا د. "بنت الشاطئ" حقيقة قد لا يعلمها البعض منا وهى أن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بسيدتنا "عائشة" رضي الله عنها بمجرد العقد عليها ولكن مرت عدة سنوات حتى تم الزواج .. ونعلم جميعاً اللغط الذى يدور بخصوص ذلك من المغرضين .. مع أننا نعلم أن اختلاف البيئات يؤثر واختلاف العصور والأزمنة يؤثر كذلك العادات والثقافات ... الخ ... ولماذا نذهب بعيداً .. فلنسأل أنفسنا .. في أى عمر كانت تتزوج جداتنا والأجداد ؟! .. ففي إجاباتكم سيكون الرد على المغرضين ..
كما أن زواج سيدنا "محمد" صلوات ربي وسلامه عليه من سيدتنا "سودة بنت زمعة" يؤكد أيضاً أنه كان يتزوج الأرملة الكبيرة في العمر ليكفلها ويعولها .. الخ
وأوضحت لنا أيضاً أن المرأة لها طبع الغيرة حتى ولو من امرأة أخرى رحلت إلي ربها .. ورغم كل ذلك ظل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام على عهده واخلاصه وحزنه على فراق السيدة "خديجة" رضي الله عنها .. الخ
ولنتأمل في بساطة مظهر زفاف الرسول عليه الصلاة والسلام وسيدتنا "عائشة" رضي الله عنها .. وتقارنها بما يحدث في عصرنا الحالي .. الخ
عزيزى القارئ:
_________
كنا توقفنا عند انتقال كفالة سيدنا "محمد" صلوات ربي وسلامه عليه لعمه "أبو طالب"
نجد أنه كمعظم الأنبياء والرسل عمل بالرعى عندما كان بالبادية مع أخيه من الرضاعة الذى كان يصاحبه في رعى الأغنام وأذكركم عندما كان مع الصبية في حادثة "شق الصدر" .. وأيضاً عندما عاد لمكة .. فلما كان في كفالة عمه كان يعمل في البداية بالرعى مقابل أجر بسيط ليعينه في مساعدة عمه الذى كان يكفله .. سيدنا "محمد" صلى الله عليه وسلم عمل بالرعى في طفولته ومطلع شبابه والذى تعلم منها الكثير .. منها: علمه أن يكون خير راع .. فنمت في داخله روح الحلم والصبر .. فكان يجمعها عند التفرق .. مثلما جمع أمة بأسرها وحافظ عليها من أعدائها كما حافظ على دين الله .. ومهنة الرعى علمته وباقي الأنبياء عليهم جميعاً السلام صفات أخرى .. نؤجلها للمقال القادم إذا شاء رب العالمين .. وفي فترة أخرى من شباب المصطفي عليه الصلاة والسلام عمل بالتجارة كما نعلم جميعاً.
وإليكم رابط عن عمل الرسول عليه الصلاة والسلام مدته 2:26 دقيقة
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين

فريق مصر الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق