الخميس، 28 فبراير 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 55


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 9 -
" مسجد المهاجر وبيته " و"موازين القوى" و"الإسلام في الجبهات الثلاث: مع عصابات يهود ومع الوثنية القرشية ومع المنافقين" " هاء "
هل نسي المهاجرون وطنهم الأول في البلد العتيق ، مهد مولدهم ومغنى صباههم ومثوى آبائهم من قديم الحقب والأدهار؟
هل انقطع ما بينهم وبين أم القرى ، وطووا ما كان لهم فيها من ذكريات؟
كلا!
لقد بقيت مكة مهوى أفئدتهم كما هى مهوى أفئدة الأنصار وسائر العرب.
وما كان الفراق سهلاً ، ولا كان في المهاجرين من ودعها إلا وقلبه مثقل بالشجن. وكأنما كان المصطفي يعبر عما يجدون ، حين وقف ساعة خروجه للهجرة ، يستوعب مكة بنظرة حزينة ويقول:
" والله إنك لأحب أرض الله إلي الله ، وإنك لأحب أرض الله إلىّ ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت".
ورغم ما حفلت الأيام الأولي للهجرة ، من مراسم الترحيب والإخاء وشواغل التنظيم ، كانت وطأة الحنين ترهق أكثرهم فترهف حساسيتهم لتغير الجو!
وألم بكثير منهم سقم وأجهدتهم الحمى ، وفي هذيان الحمى كان المطوى من أشواقهم وحنينهم يتنفس مفلتاً من أعماق أفئدتهم إلى ألسنتهم!
تتحدث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، عن أول عهدهم بالمدينة فتقول:
"
كان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال ، في بيت واحد ، فأصابتهم الحمى. فدخلت عليهم أعودهم ، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب ، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك. فدنوت من أبي فقلت له:
-
كيف تجدك يا أبت؟
فرد مرتجزاً:
كل امرئ مصبح في أهله
والموت أدنى من شراك نعله
فقلت: والله ما يدرى أبي ما يقول:
ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة فقلت له:
-
كيف تجدك يا عامر؟
فرد منشداً:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه
إن الجبان حتفه من فوقه
قلت: والله ما يدرى عامر ما يقول ...
"
وكان بلال إذا تركته الحمى ، اضطجع بفناء البيت ، ثم رفع عقيرته ، يذكر مكة وربوعها:
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة .... يفخ وحولي إذخر وجليل
وهل أردنْ يوماً مياه مجنةٍ ... وهل تبدونْ لي شامة وطفيل
"
فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم" فقلت:
إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى.
فقال صلى الله عليه وسلم:
"
اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد"
ويح المشركين من أهل مكة ، ضلوا وظلموا ، واشتطوا في عتوهم وبغيهم ، وأسرفوا على من أسلموا منهم.
وبقيت مكة مهوى الأفئدة:
لم يسلُ عنها من هاجروا منها بدينهم ولم يغض من شأنها عتوُّ الوثنية الباغية.
وإن مكة لمهد النبوة وأرض المبعث ، ومثابة حج العرب منذ عهد الله سبحانه إلي إبراهيم وإسماعيل ، فطهرا بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود ...
**********
عزيزى القارئ:
_________
مغنى: بيت أنيق - مبنى في ضاحية - المنزل الذى غنى به أهله - ما له عنه بد
مهوى: اسم مكان من هوى - ما بين الجبلين ونحو ذلك - فضاء
الشجن: الهم والحزن - الحاجة الشاغلة - الغصن المشتبك - الشعبة من كل شئ - محرك العواطف - متفرع يستدعى بعضه بعضاً
وطأة: جمع واطئ - أثر القدم - الأخذة الشديدة - تفاقم وازداد خطورة
سقم: مرض مزمن - طال مرضه
أعودهم: اسم تفضيل من عاد - زارهم ليعالجهم - جعله يعتاده
مرتجزاً: ما يسمع له صوت متتابع - تعاطوا بينهم - فصيدة من بحر الرجز - ارتعاش لمرض - مذنبين
عقيرته: صوته - صوت الإنسان المعبر عن الألم فى الغناء - صوت الإنسان من شدة الوجع - صوت الذئب المرتفع بالعواء
يفخ: ضربه فأصاب يافوخه وهو ملتقي مقدم الرأس مع مؤخرتها - أصاب يافوخه "رأسه" - انتشر
إذخر: نبات عشبي من النجيليات يكثر في المناطق الحارة ويستعمل كإستعمال الشاى وفي بعض المستحضرات الطبية ويستخرج منه زيت عطرى - خبأه - جهده
مجنة: الجنون - موضع يستتر فيه - الأرض كثيرة الجن
شامة: علامة في البدن يخالف لونها سائره - الكلف في الوجه
طفيل: الماء الذى يبقي في الحوض ونحوه- من يعتمد في معيشته على كائن آخر
ويح: ويل - ولها أيضاً معنى مخالف للتعبير عن الدهشة والروعة - كلمة توجع وترحم وإظهار إشفاق
اشتطوا: ظلموا وجاروا - تجاوزوا الحد - بعدوا
يسلُ: انتزعه وأخرجه برفق - أخرجه - سرقه - رققه
عزيزى القارئ:
_________
ما أروع ما عبرت عنه كاتبتنا د. "بنت الشاطئ" عن حب الوطن على ألسنة صحابة رسول الله عندما أصابتهم حمى فراق وطنهم وما قاله صلى الله عليه وسلم عند هجرته من موطنه "مكة" .. ليكون مثالاً لنا جميعاً لحب الأوطان والإخلاص لها:
" والله إنك لأحب أرض الله إلي الله ، وإنك لأحب أرض الله إلىّ ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت".
وأستدعى كلمات من أنشودة رائعة:
( بلدى أحببتك يا بلدى ............... حباً في الله وللأبد )
( في ثراك الحر تراب أبي .. وسماك يزف صبا ولدى )
ولطول معانى كلمات اليوم لا أريد أن أطيل عليكم .. أشير إلى أننا نجد أن إستيعاب أمنا أم المؤمنين "عائشة بنت أبي بكر" لمعانى ما تفوهوا به فيما أصابهم من مرض فراق الوطن يؤكد نضجها الكامل عقلاً ووجداناً
وإليكم رابط فيديو عن قصة زواج "رسول الله" صلى الله عليه وسلم من السيدة "عائشة" رضي الله عنها .. رائع ومترجم بالأمثلة الحقيقية وردود تاريخية وعلمية شافية على كل من يحاول أن يسئ أو يشوه من شخص حبيبنا صلى الله عليه وسلم بهذه الزيجة التى كانت بأمر إلهى .. بأمثلة من مجتمعاتهم ومن فترات ليست بالبعيدة عن زماننا .. وفي نهاية الفيديو أمثلة رائعة لإنسانية وسمو نبينا الكريم .. عليه أفضل الصلاة والسلام .. الفيديو مدته 6:21 دقيقة
عزيزى القارئ:
_________
استكمالاً لما ذكرناه بالأمس لفائدة مزاولة مهنة الرعى التى مارسها معظم الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام .. فلنأخذ صفة واحدة اليوم:
اليقظة والانتباه: ينبغى أن يكون شديد الحرص علي عمله من خلال الوعى لما يحدث من حوله .. وذلك لأن الغنم كثيرة الحركة وسريعة الجرى وتنفر بسرعة .. فإذا غفل الراعى عنها هربت منه وصعب عليه إعادتها إلى مكانها فتكون معرضة لإفتراس ومهددة بالضياع.
وإلى أن نلتقي إذا كان في العمر بقية بإذن الله:
" اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا "محمد" وعلى آله وصحبه أجمعين

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق