الجمعة، 8 مارس 2019

مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 61


" مع المصطفى فى دار هجرته " - 15 -
" مسجد المهاجر وبيته " و"موازين القوى" و"الإسلام في الجبهات الثلاث: مع عصابات يهود ومع الوثنية القرشية ومع المنافقين" " ك "
لم يكد اليهود يطمئنون إلى موادعة نبي الإسلام إياهم ، حتى عادوا إلي أوكارهم يدبرون لحرب الإسلام فى معركة غير مكشوفة ، يتقون بها المواجهة السافرة والصدام المعلن.
وكان أقسي ما غاظهم من هذا الإسلام ، أن أطفأ نار العداوة والبغضاء بين عرب المدينة ، الأوس والخزرج ، بعد أن سهرت أجيال من السلالة اليهودية على إلهابها بوقود من الدس والفتنة والتواطؤ ، منذ حطت عصابات من فلولهم على هذه المنطقة الخصبة من شمال الحجاز ، فراراً من وطأة الرومان ، ونشبوا في كيان المنطقة علي حساب الوجود العربي الممزق.
فهل يمكن إيقاظ الفتنة بين الأوس والخزرج ، وإهاجة الشر بينهم بعد أن حسمه الإسلام ونسخ ثاراتٍ لهم وأحقاد تراكمت علي مدى خمسة قرون قبل المبعث؟
لا بأس من المحاولة ، على أن تبدو حادثاً فردياً عارضاً ، لا يحمل اليهود إثمه.
نقل "ابن إسحاق" فيما نقل بالسيرة النبوية من أحداث عام الهجرة:
"
مر شاس بن قيس - وكان شيخاً يهودياً عظيم الكفر شديد الضغن علي المسلمين والحسد لهم - على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج ، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذى كان بينهم من العداوة في الجاهلية. فقال ، يحدث نفسه أو قومه: قد اجتمع ملأ بنى قيلة بهذه البلاد ، وما لنا إذا اجتمع أمرهم من قرار!
"
ثم أمر فتى شاباً من يهود كان معهم ، فقال:
-
اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله من حروب بينهم ، وأنشدهم بعض ما تقاولوا فيه من أشعار".
ففعل الشاب اليهودى ما أمره به شيخه ، فتكلم القوم عند ذلك زتنازعوا وتفاخروا ، حتى توائب رجلان من الحيين وقال أحدهما لصاحبه:
-
إن شئتم رددناها الآن جذعة.
فغضب الفريقان جميعاً وصاحوا: "قد فعلنا!"
وتواعدوا علي أن يلتقوا في يومهم ذاك بموضع "الحرة" واندفعوا يتداعون إلى الحرب وهم يتصايحون: السلاح السلاح!
ووجمت دار الهجرة وهى تسمع صيحة الحرب ، وجاء المصطفى في جمع من صحابته ، فأدرك القوم في "الحرة" وقد هموا بقتال ، فقال عليه الصلاة والسلام:
"
يا معشر المسلمين ، الله الله ! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر ، وألف بين قلوبكم؟".
ونفذ صوت المصطفي إلى مسامعهم وضمائرهم ، وعرفوا أنها مكيدة عدوهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا.
وبطل سم هذه الفتنة وخاب كيد يهود.
والمصطفى يتلو من آيات "آل عمران" ثانى السور التى نزلت بالمدينة بعد الهجرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
{
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105)} .. صدق الله العظيم.
وخشع المؤمنون لآيات ربهم.
وانكمشت العصابة الملعونة تفتش في جعبتها عن سهام أخرى يمكن أن تصيب من حيث ارتد سهم الفتنة إلى صدورهم يؤجج ما انطوت عليه من ضغينة وغدر وحقد ...
علي أن تبدو المكيدة حادثاً فرديّاً لا يحمل اليهود كلهم إثمه.
عزيزى القارئ:
_________
نسخ: نقل وكتب حرفاً بحرف - نقل بالرسم والصورة - صور
ثارات: جمع ثأر - وهو مطالبة بدم القتيل - قتل القاتل - وكما جاء وورد لأحد الشعراء
"
لتسمعن وشيكاً في ديارهم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا"
نواثب: انقض بعضهم على بعض - بادره وانقض عليه
جذعة: إعادته كما كان - حبس عنهم خيراً - حبسه - تفرقوا - دلكه - صغير السن
جعبة: وعاء من الجلد للسهام والنبال وحالياً ما يضع فيه الجندى الرصاص ومسدسه - مكنون النفس
عزيزى القارئ:
_________
توضح لنا د. "بنت الشاطئ" عدم رضاء يهود بوحدة المسلمين سواء من الأنصار الذين كانوا متفرقين لأوس وخزرج أو المهاجرين معاً .. فما كان أمامهم إلا إشعال نار الفتنة والثأر القديم بينهم .. ولولا تدخل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لتجدد القتال بينهم .. وما أشبه اليوم بالبارحة .. ولعل حكام العرب يعقلون .. ولا أريد أن أطيل حتى نفسر الآيات التى ذكرها الحبيب المصطفي في هذا الموقف اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه.
وإليكم رابط فيديو قصة فتنة اليهودى "شاس بن قيس" جد المنافقين .. التى كادت أن تجدد الحرب الدامية بين "بنى قيلة" الذين عرفوا قبل الإسلام ب "الأوس والخزرح" وقد جمعهم الإسلام تحت إسم ووحدة واحدة ب "الأنصار" .. ومقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى ذكرتها لنا أعلاه د. "بنت الشاطئ" .. وقصة أخرى لكبير المنافقين "بن سلول" وكيف رفض رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه طلب سيدنا عمر بقتله حتى يدرء عن المسلمين الفتنة رغم ما كان يبثه من فتنة وفرقة .. أترككم مع الفيديو مدته 16:13 دقيقة
عزيزى القارئ:
_________
سورة "آل عمران" من ثانى السور وهى مدنية طويلة واشتملت على ركنين هامين من أركان الدين وهما:
1 -
ركن العقيدة وإقامة الأدلة علي وحدانية الله جل وعلا.
2 -
التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالجهاد في سبيل الله والتحذير من مكايد أعداء الله.
ولكن سأكتفي بتفسير الآيات التى وردت أعلاه من السورة:
يتم مخاطبة أهل الكتاب لم تجحدون بالقرآن المنزل على "سيدنا محمد" صلى الله عليه وسلم مع قيام الدلائل والبراهين علي صدقه .. والله مطلع علي جميع أعمالكم فيجازيكم عليها .. فلم تصرفون الناس عن دين الله الحق وتمنعون من أراد الإيمان به؟ .. وتطلبون أن تكون الطريق المستقيمة معوجة وذلك بتغيير صفة الرسول والتلبيس علي الناس بإيهامهم أن فى أن في الإسلام خللاً وعوجاً .. وأنتم عالمون بأن الإسلام هو الحق والدين المستقيم .. وصيغة التهديد والوعيد في "وما الله بغافل عما تعملون" .. وكان التشكيك بإلقاء الشبهات والشكوك بالضلال والإضلال في قلوب الضعفاء .. ويخاطب الذين آمنوا إن تطيعوا طائفة من أهل الكتاب سيردونكم كافرين بعد أن هداكم الله للإيمان .. والخطاب للأوس والخزرج إذ كان اليهود يريدون فتنتهم كما في سبب النزول .. وأسلوب إنكار واستبعاد أى كيف يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله لا تزال تتنزّل عليكم والوحى لم ينقطع ورسول الله حىٌّ بين أظهركم؟ .. ومن يتمسك بدينه الحق الذي بيَّنه بآياته على لسان رسوله فقد إهتدى إلي أقوم طريق وهى الطريق الموصلة إلي جنات النعيم .. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله تقوى حقه أو حق تقواه "بأن يطاع فلا يعصي وأن يذكر فلا ينسي وأن يشكر فلا يكفر" أى بإجتناب جميع معاصيه .. وتمسكوا بالإسلام وعضوا عليه بالنواجذ حتى يدرككم الموت وأنتم علي تلك الحالة فتموتون علي الإسلام والمقصود الأمر بالإقامة على الإسلام .. تمسكوا بدين الله وكتابه جميعاً ولا تتفرقوا عنه ولا تختلفوا في الدين كما اختلف من قبلكم .. واذكروا إنعام الله عليكم يا معشر العرب .. أى حين كنتم قبل الإسلام أعداء ألداء فألف بين قلوبكم بالإسلام وجمعكم علي الإيمان .. وكنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنم فأنقذكم الله منها بالإسلام .. مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم سائر الآيات لكى تهتدوا بها إلي سعادة الدارين .. أى ولتقم منكم طائفة للدعوة إلى الله .. والأمر بكل معروف والنهى عن كل منكر .. أى هم الفائزون .. أى لا تكونوا كمن تفرقوا في الدين من قبل واختلفوا فيه بسبب اتباع الهوى من بعد جاءتهم الآيات الواضحات .. أى لهم بسبب الإختلاف عذاب شديد يوم القيامة.
" ربي قنى عذابك يوم تبعث عبادك" .. اللهم آمين.
طابت جمعتكم .. والشهور المباركة رجب وشعبان .. اللهم بلغنا رمضان .. اللهم آمين.
اللهم صلِّ علي سيدنا "محمد" نور سراج الرحمن صلاة تكفينا بها وساوس النفس والإنس والشيطان وعلي آله وصحبه وسلم

فريق مصر أم الكون


خديجه حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق