الخميس، 20 ديسمبر 2018

مع المصطفى فى عصر المبعث رقم 6

وبدأ تاريخ جديد:الرجل الذى سرى إلى غار حراء ، على مألوف عادته منذ أنكر موضع الأصنام في البيت الحرام ، وأيقن أن حياة الناس لا يمكن أن تمضي هكذا على سفه وضلال
خرج مع الفجر من الغار ، نبياً مبعوثاً بختام رسالات الله ..


والكلمات الأولى التى تلقاها في تلك الليلة من وحى ربه ، كانت بداية كتاب معجز ، وآية نبي بشر ، ولواء عقيدة وجهت التاريخ وحررت الإنسان ، وصنعت أمة وقادت حضارة ..


خرج المصطفي من الغار ، واتجهت به خطاه نحو بيته ، والكون من حوله ساج خاشع ، وعلي الأفق الأعلى نور الفجر الجديد ينسخ ظلمات ليل طال ، ويوشح البيت العتيق بسنى وضاء ، يكشف عما تكدس في رحابه من أصنام وأوثان ، فتبدو علي حقيقتها العارية ممسوخة بلهاء.


وكان لها من ظلام الليل ستر كثيف أصم ، يخدع البصر ويزيف الرؤية ..


النور ملء قلبه وبصيرته ، والكلمات ملء فكره ومسمعه ، ولكنه في حيرة أمره ، يعييه أن يستوعب السر الأعظم الذى انبلج له ، ويأخذه من جلاله وروعته ما يشبه الدوار ، فيكاد لفرط دهشته وانبهاره ، لا يدرى ما إذا كان في وعى يقظته ، أم أنها رؤى خايلته لطول ما تأمل في آيات القدرة ، ورنا إلي اجتلاء سر هذا الكون وخالقه؟


وأحس وطأة العبء الثقيل تجهده وترهقه ، فما بلغ بيته حتى بدا مجهداً مرتعداً شاحباً ، كأنه عائد من سفر طويل شاق ..


ولمحها هناك في انتظاره: "خديجة" التى كانت له على مدى خمس عشرة سنة ، زوجاً وصديقة وأماً ، وكانت له منذ تزوجها ملاذاً وسكناً ..


ودون تفكير أو تردد ، ألفي نفسه يفضي إليها بما رأى وما سمع ، وهو يحدق في ملامحها إذ تصغي إليه بكل كيانها ، محاولاً أن يستبين وقع هذا الأمر علي أقرب أهله إليه ، وأعزهم عليه ، وأصفاهم له ودّاً وأرشدهم رأياً ..


وقالتها على الفور ، في صوت مفعم بالحرارة واللهفة والثقة:
"الله يرعانا يا أبا القاسم ، أبشر يا ابن عم واثبت ، فو الذى نفس خديجة بيده ، إنى أرجو أن تكون نبي هذه الأمة. والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق".


فنفذ صوتها الحار إلى قلبه ، وأحس راحة الأمن والطمأنينة ، وزوجه تقوده في رفق وحنان إلى مضجعه فتدثره ، وتظل حانية عليه حتى ينام ..



عزيزى القارئ:
--------------
سفه: جهل وطيش وهلاك - إسراف وتبذير
ضلال: تيه وعدم الإهتداء الطريق والسبيل الصحيح - فقدان الوجهة والاتجاه المتبع
ساج: جميل المنظر - ساكن - فاتر وله معنى مغاير لما هو أعلاه نوع من الشجر أخشابها صلبة تصنع منها السفن
خاشع: راكع - يصلي
البيت المعمور: المأهول بالعباد والمصلين والطائفين
يوشح: من لبس وتغطى وتوشح بوشاح الشرف - لبس الوشاح - زين
سَنىَ: ارتفع - أضاء وهى من سنى البرق - علا وارتفع وارتقي
يعييه: لم يهتدى لمراده - غيبوبة - عجز - جهله
انبلج: أنار وأضاء - طلع - وضح - ظهر - نصع
رنا: ما ينظر إليه لحسنه وجماله - أدام النظر إليه - تغافل
أرشدهم: هداهم ودلهم على الطريق - بلغ سن الرشد والتكليف
تقرى: تتبعه - تكرمه - تهتم به - يخرج من أرض إلي أرض
نوائب: جمع نائبة - مصائب شديدة - ما ينزل بالرجل من الكوارث - وعنى آخر من قام مقام غيره في أمر أو عمل ما
تدثره: تغطى به - لبس الدثار


عزيزى القارئ:
---------------
فعلاً إنه تاريخ جديد .. فاصل بين الظلام والنور، فاصل بين الضلال والهدى ، فاصل بين الجهل والعلم ، فاصل بين الباطل والحق ، فاصل بين الكفر والإيمان ..
خرج المصطفي من الغار نبياً عليه أفضل الصلاة والسلام .. يحمل عبء هداية الناس وثقل التكليف لدعوة الأمة .. فلجأ لزوجته الرحيمة الرؤوم الحانية المعينة الرفيقة والمؤمنة والسكن .. الداعمة والواثقة بأن الله لا ولن يخزيه أبداً ..


وما هذا الرسول إلا ابن السيدة "آمنة بنت وهب" بنت بنى زهرة وأفضلهم نسباً وأكرمهم شرفاً .. ولا نستطيع وصف ملامحها ولم يجرؤ أحد أن يرسم صورتها ولا يستطيع مؤرخ أن يعرف عنها إلا أنها كانت بحق أفضل فتاة في بنى زهرة بل في قريش كلها وكانت مصونة ومحجوبة وعفيفة بمكانتها ولكنها كالزهرة لابد أن ينبعث عطرها وينتشر في أرجاء مكة .. وللحكاية بقية بمشيئة الله.


وأترك لك رابط فيديو مبسط للموقف الذى سردناه معاً عن ليلة نزول الوحى علي نبينا الكريم صلوات وسلام ربي عليه مدته 3:31 دقيقة


عزيزى القارئ:
---------------
نجد أن من الصفات التى ذكرتها السيدة "خديجة" رضي الله عنها صدق الحديث .. وهذا يجعلنى أذكر من يدعون أنهم حاملى هذا الدين وأن النبي صل الله عليه وسلم قدوتهم .. وأنهم الأفضل والأنقي والأتقي .. فكيف يكون قدوتهم وهم كاذبون ويتلاعبون بالكلام حسب مصلحتهم أو من أجل التغرير بنا .. أى أنهم يمارسون علينا "التقية" .. فلابد من ذكر شئ مما مر بنا وكثير منا حضره ووعي أحداثه أو حتى رأى وحضر جزء منها ..


المستشار "طارق البشرى" كان يعد مؤرخ ومفكر كتب العديد من الكتب وأرَّخَ فيها للجهاد السياسي للمصريين وله صلات قوية بالإخوان ولم يكن يُعرف عنه أنه منهم وكان من كبار رجال القضاء المصرى وكان قد أبدى تعجبه من تحالف الإخوان مع رئيس وزراء #مصر الملكية "اسماعيل صدقي" رجل المصالح الأجنبية في "مصر" .. وقد أبدى ذلك وتفاصيل أخرى في كتابه "الحركة السياسية في مصر 1945-1952" بصفحتى 58 و59 ..
وفجأة ظهرت صلاته القوية بجماعة الإخوان حينما أصروا أن يكون رئيساً للجنة تعديل الدستور والذى أجرينا عليه الاستفتاء في 19/3/2011 .. تتذكرونه بالتأكيد "استفتاء الجنة والنار" "استفتاء "المسلم والكافر من خرج عن الاسلام" .. المهم .. أنه وضع نصاً في التعديل الدستورى يجعل اللجنة المشرفة على انتخابات الرئاسة .. لجنة مقدسة .. لا يجوز الطعن علي قراراتها .. رغم أنه نفسه القاضي والذى كان رئيساً لمحكمة القضاء الإدارى .. كان قبل ذلك قد كتب ضد هذا المبدأ واعتبره مخالفاً للإسلام .. للإسلام!!!
أستغفرك ربي وأتوب إليك .. ونلتقي متى شاء رب العباد .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وصل الله على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم.

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق