ربما تنعش الذاكرة إذا عادت الاذهان للوراء لأكثر من 40
عاما
حيث كانت الأجواء المحيطة بالمصريين تعم الفرحة ونشوة الانتصار ، لحظات
توحي بأن هناك شيئا قد يولد، قواتنا المسلحة تتقدم عبر قناة السويس و
تطوق خط بارليف وتتساقط حصونه وكأنها أوراق شجر مريضه ، وكانت قصة اسر العقيد
عساف ياجوري هي الاشهر فى تلك اللحظات سواء بين المصريين أو داخل نفوس
الاسرائيليين .
العقيد عساف ياجوري الذي ملء الدنيا ضجيجا ، و اعتبرته إسرائيل
بطلا قوميا بعد خروجه من الأسر عام 1973 ، وكأن المخابرات المصرية غافله
عما يفعلون ، و صدقت الدولة الصهيونية نفسها بان جنودها لا يقهرون .
ولكن نحاول ان نذكر احفاد بن جوريون ان عساف ألتقطته قبضة المخابرات
المصرية بعد ان اسقطه الأسد المصري محمد محمود المصري و دمر دبابته بصواريخ
فهد وبعد سقوط ياجوري في الأسر تم اطلاق اسم عبر الاثير علي هذه العملية.
ظل ياجوري يروي الكثير من قصص خيالية عن اسره وصموده وامتناعه عن
الادلاء بأية معلومات عسكرية بل قام بكتابة قصته في كتاب كان الأشهر في
إسرائيل حينذاك .
وتعددت الروايات التي تتناقلها المصادر الإسرائيلية ولكنها
جميعها تؤكد أن ياجوري قد بدأ في الاعتراف أمام المخابرات المصرية بالقاهرة
منذ اللحظة الأولي لسقوطه في الأسر .
بينما كان ياجوري صيدا سهلا للأسود المصريين وضع يده في
استسلام وصاح بأعلي صوته وهو يري الموت يطبق علي رقبته ، سار عساف ودموعه تنهش غطرسته وكل العرائس
الورقية الصهيونية تتساقط علي أرض سيناء .
مذكرات عساف ياجوري أشهر أسير إسرائيلي من واقع مقال نشر له
بصحيفة معاريف الإسرائيلية فى 7 / 2 / 1975..
الأحد 7 أكتوبر 1973: منذ وصول الجنرال آدان - فى الساعة 800
صباح اليوم واستلامه قيادة النطاق الشمالى من جبهة قناة السويس ـ وأنا
أخوض مع قواتي معارك متصلة فى محاولات مستمرة لإيقاف تقدم المصريين وضرب
قواتهم التى عبرت القناة وطوقت بعضها حصون خط بارليف ، لم تهدأ هذه المعارك لحظة
واحدة ، وقد تركت بصماتها على قواتي و فقدت خلالها الكثيرين من زملائى
و بسبب عنف هذه المعارك لم نجد وقتا للحزن على هؤلاء الزملاء الذين سقطوا
قتلى
.
الأثنين 8 أكتوبر 1973 : الساعة الثانية ظهرا ، أرابط مع قواتى
داخل المنطقة التى حددها لى الجنرال آدان شرق الفردان ، وصلت إلينا
أوامر الجنرال بالهجوم فى اتجاه الفردان تنفيذا لأوامر الجنرال جونين
بشن الهجوم المضاد العام على جبهة سيناء . وكان نصيب لوائى هو قطاع
الفردان حيث تحددت مهمتى بالوصول إلى كوبرى الفردان والأستيلاء عليه وقد كنا
نسميه حزايون وذلك إحياء لإسم الحصن المجاور له والذى فقدناه فى أول أيام
الحرب
.
كنت أعلم ان المصريين اغبياء:
فى الساعة 1430 بدأت دبابات ومصفحات لوائى بإنطلاق بأقصى سرعة
لإثارة سحب من الغبار تحجب عن العدو حجم قواتى ، ولإحداث الارتباك فى
صفوفهم ـ فأنا أعلم جيدا طبيعة هؤلاء المصريين وضعف تماسكهم وانهيارهم السريع
.. وظل تقدم اللواء على مساحة عرضها 3 كيلومترات ، وبنفس
السرعة العالية ووفقا لتقارير عناصر الاستطلاع ، ستكون الفرقة المصرية المواجهة لى والمكونة
من المشاة صيدا سهلا لدباباتى المنطلقة بعنف والتى توجه الآن كميات هائلة
من النيران تغطى بها المنطقة كلها .
غرور وغطرسة :
اخترقنا النطاق المحدد ولا توجد مقاومة تذكر للعدو و فتحت الاتصال اللاسلكى
بالجنرال آدان وبادرنى بالسؤال فى قلق عن موقف لوائى ، قلت له ضاحكا إن كل
شىء على ما يرام ودباباتى تدوس الجنود المصريين الذين أربكهم الهجوم ولم
تظهر حتى الآن محاولة لصدنا .
لم أكد أنتهى من أتصالى بآدان حتى ابلغتنى الدبابات
الثلاث
الأولى بوصولها إلى مقربة من ضفة القناة ، فى نفس هذه اللحظة حدث
ما لم
يمكن فى الحسبان إطلاقا ، لقد انقلبت الدنيا رأسا على عقب ، إن
المصريين
قد أوقعونا فى كمين محكم ، كيف ضبطوا أعصابهم ونيرانهم طوال هذا
الوقت؟
لا أعلم
!!
اعصابي خانتني امام الجنود المصريين :
لقد أنصبت مدافعهم علينا بنيران مذهلة الكثافة والدقة فى التحكيم
كما لو كان ضابط مدفعية مصرى يقف فوق دبابتى لضبط وتوجيه نيران مدافعهم ،
وقفز جنود المشاة من حفرهم التى اختبأوا فيها واندفعوا نحو دباباتنا
بصواريخهم القاتلة
الدبابات تنفجر ، والجنود والضباط يقفزون منها ، يصرخون ،
ويبحثون
عن مكان يهربون فيه ، رشاشات المصريين تسكت هذه الصرخات ، أكتملت
حلقة
الكمين باشتباك عدد من دباباتهم فى ضرب أحدى كتائب اللواء التى لم تكن
قد
تعرضت لمثل الضرب العنيف الذى تعرضت له الكتيبتان الآخريان ، وكانت
الدبابات
المصرية تحارب بكفاءة عالية وكان قتالها متفوقا وباسلا ، أعصابى
خانتنى
تماما
.
عساف يصرخ اين اسرائيل :
لم يف الجنرال آدان بوعده لى بأن يرسل لنا طائرات سلاحنا الجوى
حتى المدفعية الثقيلة التى كلفت بمعاونتنا لا صوت لها .
هل وصل المصريون إليها هى الأخرى ؟ !! ، لا أدرى شيئا وقد فقدت
الاتصال ببقية وحداتى المدرعة ، معظم دباباتنا تنفجر أمامى ، حاولت
الارتداد إلى الخلف بأقصى سرعة .
سقطت دبابتى والثلاث دبابات الآخرى فى كمين آخر
وجه
قذائفه لتخترق دباباتنا الأربع ، قفزت من الدبابة واسرعت إلى الأختفاء
خلف
تل صغير من الرمال ومعى أربعة جنود ، فوجئنا بعربتين مصفحتين مصريتين
تمشطان
المنطقة بحثا عنا ، حاول بعض جنودى الذين اختفوا خلف مرتفع آخر
الفرار
وأطلقوا نيرانهم على الجنود المصريين الذين كانوا يقفون مكشوفين فوق
العربيتين
وأعتقد أن أحدهم أصيب ولعله قتل .
أندفع الجنود المصريون خارج المصفحتين وأنطلقوا
نحو هذه المجموعة وهجموا عليهم فى شراسة بالغة وسكتت بعد دقائق مقاومتهم
، ماتوا بالطبع .
لامفر من الاستسلام :
أتجه المصريون بعد ذلك ناحيتنا ، لا مفر من الاستسلام ، رفعت
يدى إلى أعلى وأخذت أصيح فى وجوههم وأنا أرى الموت يتقدم نحوى ( أننى جنرال
.. أنا جنرال .. لا تقتلونى .. أريد مقابلة قائدكم ) ، فوجئت بهم
يتوقفون عن الضرب ، جندى واحد فقط اضطر قائده إلى أن يأمره بصوت حاد بعدم إطلاق
النار
.
لا استطيع أن أقاوم البكاء :
سرت بينهم مقيدا ، لا استطيع أن أقاوم البكاء ، هذا هو أشد
الأيام كآبة وأكثرها إحباطا على الجبهة المصرية ، نظراتهم صارمة حادة لكنهم
لم يفعلوا شيئا .. كنت أتوقع أنهم سوف يقتلوننى ومن معى فى اية لحظة .
شهامة المصري :
قادونى إلى مقر قيادة الفرقة التى كنت مكلفا باختراقها ، جذبني
هدوء وبرود قائدها، قلت له إننى أملك فى الحياة المدنية فندقا فى تل أبيب
، وشرحت له كيف كانت خطته محكمة وكيف أن الجنود المصريين يقفزون على
دبابتنا دون أن يبالوا بأى شىء حتى ولو كان الموت . تحدث هو إلى بصوت هادىء
أكد لى أنهم يحترمون قرارات جنيف واننى سأعامل فى الأسر معاملة طيبة ،
وألمح هو إلى بعض ما جرى للمصريين فى حرب 1967 وقال مع ذلك لن نعاملكم بالمثل
وستلقون معاملة إنسانية .
داخل المخابرات المصرية :
قادونى بعد ذلك إلى القاهرة وتم استجوابى من جديد ، وكانت الأسئلة تتناول
أمورا كثيرة عسكرية و اجتماعية و أقتصادية و سياسية وعن بعض الشخصيات
العامة ، أعتقد أنه كان بين المستجوبين أستاذ علم نفس على الأقل .
وفى نفس اليوم أخذونى إلى مكان ، يبدو أنه مبنى التليفزيون ، وعندما رفعوا
العصابة عن عينى ليبدأ المذيع حواره معى ، لم استطع فتحهما فى البداية
لشدة أضواء الكشافات فى الاستوديو ، بعد ذلك ألقيت نظرة على الوجوه
المحيطة بى ، كانوا ينظرون إلى بفخر وحب استطلاع ، وكان شاب صغير بينهم يدخن فى
عصبية ويرمقنى بنظرات حادة ثم يتحدث إلى من معه .
بعد انتهاء التسجيل معى للتليفزيون والتسجيل
لإذاعة القاهرة الناطقة بالعبرية قادونى إلى مقر الأسر وقد نظموا لى طوال فترة
وجودى عدة رحلات إلى الأهرام وفندق هيلتون كما التقيت ببعض اليهود الذين
لا يزالون يعيشون فى مصر وذلك بناء على طلبي ، و أثناء فترة أسرى كنت أقول
لنفسى ترى ماذا حدث لبقية زملائى ترى هل وجدوا طريقهم إلى النجاة ، و بعد
عودتى من الأسر فوجئت بل أذهلنى حجم الخسائر التى وقعت فى صفوفنا ومع
ذلك لم تعلن حتى الآن الارقام الحقيقية لخسائرنا .
خيبة أمل :
حيرتي بالغة ، كيف حدث هذا لجيشنا الذى لا يقهر وصاحب اليد
الطولى والتجربة العريضة ، كيف وجدنا أنفسنا فى هذا الموقف المخجل ؟
أين ضاعت سرعة حركة جيشنا العظيم ؟
المصدر مزكرات عساف ياجورى
جنرال بهاء الشامى
تحيا مصر
ردحذفعاشت قواتنا المسلحه
سلمت يداك ياجنرال ..كن سؤالى فين التسجيلات التليفزيونة والاذاعية اللى اتعملت مع عساف ياجورى يا جماعة لا يمكن تكون انذثرت اكيد موجوده فى ارشيف حد
ردحذف