مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 50

" مع المصطفى فى دار هجرته " - 4 -

" هجرة ... وتاريخ " " د "

فلم يخطر على بالها أن نبي الإسلام يمكن أن يخاطر فيخوض بالقلة العزلاء من صحابته ، معركة حربية مع الوثنية المعتزة بما لها من سلطان ، ودونها قوة باطشة من العدد والسلاح.
ومن هنا صكّت سمعهم آيات الإذن للمسلمين في القتال ، وأقبل بعضهم علي بعض يتساءلون:
أويريد محمد أن يفرض عقيدته بالسيف؟ كأنه لم يتل من قبل ، من كتاب دينه:

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ(48)}

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)}

وفي أخذة المباغتة ، فاتهم أن يدركوا مغزى الإذن للمسلمين في القتال:
دفاعاً عن حقهم في حرية التدين.
وتقريراً لمبدأ الإسلام في حرية العقيدة.
وانتصاراً للذين أوذوا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله!
وإلزاماً بمسئولية الجهاد في سبيل الحق والخير ، في مواجهة الحشد الكاثر والقوى العاتية الباغية:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} .. صدق الله العظيم.

وهذه هى الجبهة الأولى التى كان علي الإسلام أن يخوض معركته فيها ، إثر الهجرة.
ضد الوثنية القرشية الباغية التى وعت منطق الهجرة أتم الوعى فانكفأت بعد خيبة المطاردة الشرسة ، تعبئ قواها استعداداً للصدام.

دون أن يتصور أحد من الفريقين ، أن الهجرة كانت نهاية مريحة للجولة المكية التى استغرقت ثلاثة عشر عاماً ، أجهدت المسلمين أذى واضطهاداً ومقاطعة وحصاراً. بقدر ما أجهدت قريشاً وأرقت لياليها ، واستنفدت كل ما لديها من وسائل.
**********
عزيزى القارئ:
_________
يتل: قراءة بصوت مرتفع عالي - أخبر بها

الكاثر : غلبة في الكثرة - فاعل من كثر

عزيزى القارئ:
_________
تأخذنا كاتبتنا د. "بنت الشاطئ" للمعركة الأولي للنبي صلى الله عليه وسلم ضد الشرك بالله .. ودللت بعدد من الآيات القرآنية التى ترد على الذين يغالطون في معناها حديثاً وكأنها رحمها الله معنا .. وأتت بها من سور مختلفة الثلاثة الأول "مكية" أما الآيات الأخيرة فهى من سورة "الحج" وهى مدنية .. تقريراً بمبدأ الإسلام في حرية العقيدة .. وسنوضح معاً تفسيرها:
الآية (6) من سورة "الكافرون": التى نزلت بسبب أن قريشاً دعت رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا : هذا لك يا "محمد" وتكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة. فقال: حتى أنظر ما يأتينى من ربي. فأنزل الله {قل يا أيها الكافرون} إلى آخر السورة. ومعنى الآية: لكم شرككم وكفركم لا يتعداكم شره ولى إخلاصي وتوحيدى لا يصلكم خيره.
الآية (48) من سورة "الشورى": من السور المكية التى تعالج أمور العقيدة من الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء .. والآية : فإن أعرض المشركون عن الإيمان ولم يقبلوا هداية الله الرحمن فما أرسلناك يا "محمداً" "عليه أفضل صلاة وسلام" رقيباً على أعمالهم ولا محاسباً لهم أى ما عليك إلا أن تبلغهم رسالة ربك وقد فعلتوأخبره الله تعالى أن طبيعة الإنسان الكفران لنعم الله .. والمعنى إنا إذا أكرمنا الإنسان بنعمةٍ من النعم من صحة وغنى وأمنٍ وغيرها بطر وتكبَّر وإن أصاب الناس جدب ونقمة وبلاء وشدة بسبب ما اقترفوه من آثام فإن الإنسان مبالغ في الجحود والكفران فينسي النعمة ويذكر البلية رغم أن النعمة محققة الحصول بخلاف البلاء أن رحمة الله تغلب غضبه .. وبعد هذا التفسير لا أستطيع أن أقول "يا ليت قومى يعلمون".
الآية (99) من سورة يونس: تعنى الإيمان بالله وكتبه ورسله والبعث والجزاء .. والآية: ولو أراد ربك لآمن الناس جميعاً ولكن لم ذلك لكونه مخالفاً للحكمة ، فإنه تعالي يريد من عباده إيمان "الإختيار" لا إيمان "الإكراه" و"الإضطرار" .. أى أفأنت يا "محمد" "صلى الله عليه وسلم" تُكره الناس على الإيمان وتضطرهم إلى الدخول إلي دينك؟ .. ليس ذلك إليك .. وذكر بعض المفسرون أن الآية جاءت تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وترويح لقلبه لأنه كان حريصاً على إيمان جميع الناس .. فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبقت له السعادة في الذّكر الأول ولا يضلُّ إلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول .. لا أملك بعد هذا التفسير إلا أن أكرر "يا ليت قومى يفقهون"
الآيات من (39) حتى (46) من سورة "الحج": وهى مدنية تتناول جوانب التشريع كشأن السور المكية وإن غلب عليها جو السور المكية الإيمانية .. والآيات: أُذن لهم في القتال بسبب أنهم ظُلموا وهذه أول آيات الجهاد والمقصود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديداً وكانوا يأتون النبي صلوات ربي وسلامه عليه بين مضروب ومشجوح ويتظلمون إليه فبقول لهم: اصبروا فاتى لم أومر بقتالهم حتى هاجروا فأُنزلت هذه الآية كأول آية في الجهاد بعد أن نهى عنه في أكثر من سبعين آية منها {وإن الله على نصرهم لقدير} أى أن الله قادراً على نصرهم بدون قتال .. أى يريدهم أن يبذلوا جهدهم في طاعته لينالوا أجر الشهداء .. والذين أُخرجوا من أوطانهم ظلماً وعدواناً بغير سبب موجب للإخراج "المقصود الرسول عليه الصلاة والسلام والذين معه" .. لم يكن لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله ولم يشركوا به أحداً .. لولا ما شرعه الله من الجهاد وقتال الأعداء لاستولي أهل الشرك على أهل الأديان وتعطلت الشعائر ولكنه تعالي دفع شرهم بأن أمر بقتالهم .. أى لتهدمت معابد الرهبان وكنائس المسيحيين وكنس اليهود ومساجد المسلمين التى يعبد فيها الله ليل نهار "بكرة وأصيلا" وخص المساجد بالذكر .. ولولا كفُّه تعالي المشركين بالمسلمين وإذنه بمجاهدة المسلمين للكافرين لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم فهدموا موضع عباداتهم .. لم يتركوا شيئاً لا للمسيحى ولا الرهبان ولا اليهود ولا المسلمين ولغلب المشركون أهل الأديان .. ويقسم تعالي بأنه سينصر من ينصر دينه ورسوله واله قادر لا يعجزه شئ ولا يُقهر ولا يُغلب ووصف نفسه بالعزة والقوة .. فبقوته خلق كل شئ .. المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان هؤلاء من يستحقون نصرة الله .. هم الذين إن جعلنا لهم سلطاناً في الأرض عبدوا الله وحافظوا على الصلاة وأداء الزكاة .. ودعوا إلى الخير ونهوا عن الشر ومرجع الأمور إلي رب العالمين وذلك تسلية للرسول صلوات ربي وسلامه عليه .. ووعيد للمشركين أى إن كذبوك أهل مكة فاعلم إنك لست أول رسول يكذبه قومه .. فقد كان من قبلك أنبياء كُذبوا فصبروا إلى أهلك الله المكذبين .. فإقتد بهم واصبر .. وقد كذب كذلك قوم "إبراهيم" و"لوط"و"شعيب" {وكُذب موسي} وكذب موسي مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره؟ .. أمهلتهم ثم أخذتهم بالعقوبة .. فكيف كان إنكارى عليهم بالعذاب ألم يكن أليماً؟ .. ألم أبدلهم بالنعمة نقمة وبالكثرة قلة وبالعمارة خراباً؟ فكذلك أفعل بالمكذبين من أهل مكة .. كم من قرية أهلكنا أهلها بالعذاب الشامل وهى مشركة كافرة .. وقد تهدمت سقوفها على الأرض وحوائطها فهى مخربة مهدمة .. وكم من بئر عطلت فتركت لا يستقي منها لهلاك أهلها .. وكم من قصر مرفوع البنيان أصبح خالياٍ بلا ساكن .. أليس في ذلك عبرة للمعتبر؟ أفلم يسافر أهل مكة ليشاهدوا مصارع الكفار فيعتبروا بما حل بهم من النكال والدمار!! .. هلاّ عقلوا ما يجب أن يُعقل من الإيمان والتوحيد! .. أو تكون لهم آذانٌ يسمعون بها المواعظ والزواجر .. أى ليس العمى علي الحقيقة عمى البصر وإنما العمى عمى البصيرة .. فمن كان أعمى القلب لا يعتبر ولا يتدبر .. وذِكرُ الصدور للتأكيد ونفي المجاز .. ربي لعلنا جميعاً نعلم وتفقه دينك.
عزيزى القارئ:
_________
وفي إطار سية السيدة "آمنة" العطرة ووليدها سيدنا "محمد" صلى الله عليه وسلم ومرضعته السيدة"حليمة السعدية .. حتى لا أطيل عليكم القراءة اليوم إليكم رابط فيديو مبسط يعلم الأبناء والأحفاد حياة البادية مع العرب وكنت وضحتها لكم بالأمس كتابة .. وما حدث من خير وبركة لمرضعته .. مدته 6:23 دقيقة

https://www.youtube.com/watch?v=-MyVlQxLi78

أثابنا الله وإياكم .. وإلى لقاء متى شاء ربي.
صلى الله علي سيدنا "محمد" وسلم عليه وآله وصحبه أجمعين

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين