مرتزقة الحروب بالوكاله رقم 2

نعود اليوم لنستكمل ماتوقفنا عنده وثانى حلقاتنا عن مرتزقة حروب الوكاله لنتعرف على مخاطر الوكاله

مخاطر الوكاله بموازاة هذه التغيرات باتت المخاطر الناشئه عن علاقات الراعى _ الوكيل فى مناطق الصراعات والأزمات محط أهتمام الأدبيات السياسيه لاسيما أن سلوكيات الوكلاء أنفسهم قد تخلف أرتدادات محتمله أو تكاليف باهظه تؤثر فى مصالح الرعاه ومن ثم لم يعد كافيا الأرتكان لمنطق خفض التكلفه الذى يستهدفه الراعى من بناء علاقات الوكاله كما المقوله المشهوره للرئيس الأمريكى الأسبق دوايت أيزنهاور عندما قال أن الحروب بالوكاله تعد أرخص وسيله لتأمين العالم وهنا حتمياً يمكن طرح بعض الملاحظات فى هذا الخصوص منها   :

أولا : ليس شرطا أن تحول الوكاله فى مناطق الصراع دون التصعيد وتورط الرعاه فى حروب مباشره مكلفه فالحرب الأقليميه والدوليه بالوكاله فى سوريا كادت تؤدى فى لحظه من اللحظات إلى مواجهه أمريكيه مع روسيا مباشرةً  عقب القصف الأمريكى لسوريا بصواريخ كروز فى أبريل 2017 وكان ذلك الهجوم المباشر آنذاك هو الأول من نوعه لواشنطن فى خضم الأزمه ردا على هجوم يُعتقد أنه كيميائى على بلدة خان شيخون فى أدلب شمال غربى سوريا مما أدى إلى غضب موسكو وتعليقها آنذاك إتفاقاً مع واشنطن يهدف إلى تلافى الحوادث الجويه فى الأجواء السوريه

ثانيا : أن الفرضيه التى ترى أن الراعى يسيطير على الوكيل لتحقيق أهدافه فى منطقة النزاع بحكم مابينهما من علاقه إعتماديه متبادله  (( تمويل وتدريب ودعم سياسى وأيديولوجى وغيره )) وتفاوت فى ميزان القوى قد تحتاج إلى مراجعه نسبيه مع تعاظم قدرة الوكلاء على الأستقلاليه بل ومحاولتهم تقليص فجوه القدرات فالوكيل لو بدا مستقلا فى سلوكه عن مصالح الراعى فعندئذ تصبح العلاقه بينهما شراكه أو تحالفا أو تعاونا وليس وكاله ولعل صراعات وأزمات عديده فى الشرق الأوسط كما فى العراق وليبيا وسوريا واليمن أظهرت أن بعض الوكلاء قد يتصرفون بمعزل عن الرعاه فى بعض الأوقات ولعل الصراعات الداخليه المسلحه فى الصومال التى شهدت حروبا بالوكاله عقب الحرب البارده أستمرت حتى بعد أن أنصرفت عنها الأطراف الخارجيه الراعيه

ثالثا : أن بعض الوكلاء قد يأخذون الدعم السياسى والمالى من الرعاه ولا ينفذون سياستهم بالكامل فى مناطق النزاع لا سيما إذا كان الصراع يعج بأكثر من راعى بما يزيد هامش المناوره للوكلاء فى الحصول على راع جديد بشروط دعم أفضل يظهر هذا الأمر مثلا فى الصراع الليبى إذ تقلبت ولاءات بعض الوكلاء الميليشياويين الذين قدموا من تشاد ودارفور غربى السودان إلى جنوب ليبيا بين رعاه مختلفين فى أسلوب أشبه بمنطق المرتزقه الذين يقاتلون مع الراعى الأكثر إستعدادا للدفع

رابعا : أن تقلص سيطرة الراعى على سلوكيات الوكيل يضعف قدرته على وقف الحرب بالوكاله إذا ما قرر تغيير أستراتيجيته تجاه منطقة النزاع والأتجاه للتسويه السياسيه ويرجع ذلك فى جوهره إلى أن أستمرار الوكاله لسنوات يغير بالأساس من نمط الأقتصاد السياسى فى مناطق الصراع حيث قد يجد الوكلاء بعد فتره من عمليات التمويل والدعم المستمر أن مصلحتهم تقتضى الأستمرار فى الحرب وتوسيع العنف لا الأنخراط فى السلام ولعل هذا الخطر يبرز بشده فى حالات ليبيا واليمن وشمال سيناء فحتى إذا ماتم التوصل إلى إتفاق يدعم الأستقرار فى البلدان فأن التحدى يكمن فى كيفية التعامل مع الميليشياويين والمرتزقه مما أستفادوا من تدفقات الأموال والأسلحه من رعاه أقليميين ودوليين ويزداد الأمر صعوبه فى ظل الأفتقاد لبنية مؤسسه عسكريه موحده تستطيع تسريح الميليشيات أو دمجها فى المجتمع  فيما عدا مصر لأن جيشها لازال موحدوا وقادرا على مواجهة الميليشيات

خامسا : أن ثمة آثارا مكلفه قد يعانيها الرعاه من الوكاله خاصةً على المدى البعيد حيث لاتبدو دوما الحروب بالوكاله منخفضه التكلفه فمثلا شكل الدعم الأمريكى للمجاهدين فى أفغانستان فى مواجهة السوفيت آنذاك  فى الثمانينيات من القرن العشرين البيئه التى أفرزت لاحقا تنظيمات إرهابيه مثل القاعده التى طالت تأثيراتها الولايات المتحده سواء فى أحداث 11 سبتمبر 2001  أو حتى مصالح أمريكيه فى مناطق أخرى كالشرق الأوسط وأفريقيا وأسيا وأفغانستان نفسها ولعل الأسلحه الأمريكيه (( صواريخ ستينجر أرض جو )) التى تم تقديمها للمجاهدين الأفغان آنذاك ظلت تؤرق واشنطن مع مخاوف أنتقالها فى مراحل لاحقه إلى مناطق نزاعات أخرى أو تقع فى أيدى الأرهابيين الذين كان لبعضهم خبرات قتاليه فى أفغانستان نقلوها فيما بعد فى مناطق النزاعات فى الشرق الأوسط بعد عام 2011

سادسا : ثمة مخاطر أخلاقيه لعلاقات الوكاله فى مناطق النزاعات أذ ينظر الراعى فى دعمه لوكيل فى قضيه ما على أنه دفاع عن مصالح عادله لكن المعضله أن هناك أشخاصاً يموتون من مجتمعات الوكلاء سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين بدلا من مواطنى الرعاه أنفسهم  وصحيح أن المنظور الواقعى قد لايعنى كثيرا بذلك الأمر فلا عواطف كما ننادى  لكن مع تصاعد أجندات حقوق الأنسان فى العالم بدت هذه القضيه مجالا لتساؤلات الخبراء حول كيفية تحجيم الدول للتأثيرات الممتده لعلاقات الوكاله فى مناطق الصراع لاسيما أنها لاتخضع للمساءله أو قواعد القانون الدولى فبرغم أن الولايات المتحده أدارت حربا بالوكاله فى نيكاراجوا فى ثمانينيات القرن العشرين فأن محكمة العدل الدوليه رات أنها لم تكن مسئوله عن أنتهاكات وكيلها قوات (( الكونترا )) حيث أشارت إلى أن تلك الأنتهاكات قد تكون تمت دون سيطرة واشنطن

أنتهى المحور الأول اليوم لكن لازال لنا معكم لقاء متى شاء الله فأنتظرونا

جنرال بهاء الشامى