ستظل حرب 6 اكتوبر
1973 حرب الست ساعات كما يطلقون عليها في مصر وحرب يوم الغفران كما يطلقون عليها
في اسرائيل ملحمة انسانية مذهلة بكل المقاييس ورغم ندرة المعلومات عنها بقرار
عسكري سيادي لاحتوائها علي اسرار عسكرية عليا باعتراف احد الكتاب الباكستانيين
الذي لم يجد في مصر قائد عسكري واحد يمده بمعلومات عن هذه الحرب للتشديد القوي في
مصر علي عدم البوح باسرار خطط هذه الحرب مما دفعه في مذكراته ان يقول عندما ذهبت
الي اسرائيل وجدت الجندي والقائد والجالسون علي المقاهي ومن اشتركوا في الحرب ومن
لم يشتركوا يتطوعون بالحديث عن هذه الحرب عكس مصر تماما لم اجد من يتحدث عن هذه
الحرب لدواعي عسكرية سيادية لذلك كل من تحدثوا وحاولوا تأريخ هذه الحرب كانت مصادر
معلوماتهم اما من محللين عسكريين عالميين او قادة في اسرائيل
لن
تنضب ابدا حرب الساعات الست من دروسها وخبراتها العسكرية والادارية والانسانية
وسوف تظل مهما تقادم بها العهد نموذجا فريدا غير متكرر سوي في حرب بدر الاسلامية
للالهام والقدوة تجنبا من الانحدار في هاوية اليأس او العجز ايها المصريين
قبل
حرب اكتوبر بأعوام وشهور وأيام كانت كل الحسابات والدراسات السياسية والاقتصادية
والعسكرية تؤكد بيقين راسخ ان مصر لا تجرؤ ان تبدأ حربا ضد اسرائيل بل لاتجرأ علي
مجرد التفكير في الحرب كحل لاستعادة ارضها المسلوبة وبعد ساعات قليلة من بدء حرب
استرداد الارض والعرض استيقظ العالم كله علي المفاجأة الصاعقة مصر حطمت خط بارليف
وعبر اولادها الي الضفة الشرقية من قناة السويس
كيف
حدث هذا واي سر هذا الذي دفع جيشا جريحا الي دحر عجو متغطرف يملك من العتاد
العسكري والدعم العالمي اضعاف الجيش المصري
من
اين استمد هؤلاء الرجال المصريون شجاعة التصدي لجيش العدو المغرور الذي ذاع صيته
بأنه الجيش الذي لايقهر
انها
ارادة النصر والادارة الصارمة لاثار الهزيمة والقدرة الفذة علي عبور الاثار
النفسية لنكسة يونية الحزين واثارها المادية والمعنوية والعسكرية والشعبية قبل كل
هذا وذاك .
انها
كرامة وطن وعزة شعب وضع ثقته في جيشه الذي حمل الامانة علي اكتاف رجاله وخاض بهم
المستحيل حتي تحقق له واحد من اهم الانتصارات العسكرية في التاريخ الحربي من نشأة
الكون
من كل
هذا نحن بصدد اليوم برواية قصة عسكرية تثبت للعالم اجمع اصرارالمصري عندما يريد ان
يحقق اهدافه واليوم موعدنا مع اللواء نبيل ابوالنجا احد مؤسسي المجموعة 999 قوات
انتحارية التابعة لسلاح الصاعقة المصرية في كتاب (( رحلة الجحيم ))
قبل السرد ولأننى أعلم معاناة الكتابه
وخصوصاً بسرعه أود أن أتوجه بالشكر والعرفان بالجميل للأستاذ محمد سليمان
على تبرعه بتمليته المقال عبر الموبايل وأستمحيكم عذراً لو
هناك أخطاء أملائيه أو أختلاف فى طريقة كتابتى
يروي
سيادة اللواء نبيل أبو النجا علي لسانه ويقول التحقت بالصاعقة في بداية شهر ديسمبر
عام 1967 وذلك بعد تخرجي من الكلية الحربية برتبة ملازم ثم باحدي الكتائب بانشاص
(انشاص هي احدي قري محافظة الشرقية وتعد مركز تجمع قوات وحدات الصاعقة والمظلات) .
وكانت قادمة توا من رأس العين ببورسعيد وهي اول وحدة مصرية تقوم بعمليات خاصة ضد
قوات العدو شرق القناة بعد النكسة
يستكمل
نبيل ابو النجا ويقول انتقلت باحدي مجموعات الصاعقة بقيادة العقيد اركان حرب السيد
الشرقاوي ثم عُينت رئيسا لاحدي افرع الاستطلاع من شهر يناير عام 1972.
يتذكر نبيل ابو النجا حادث مرير وقع له عند حدوث النكسة كان
الدمار في كل مكان فلم يكن هناك وحدات نعود اليها رجع الجميع الي منازلهم وسافرت
الي اسرتي بقريتنا بمركز ميت غمر وعندما شاهدت امي توقعت ان تضمني اليها كعادتها ولكنها
كانت غاضبة واقتضبت ملامحها ودفعتني بيديها بعيدا عنها وقالت خسارة البطن اللي
جابتك انا مش عاوزة اشوفك تاني انت جاي تاكل وتشرب وتنام واليهود اخدوا ارضك ثم
همت واقفة وقالت انت مش ابني انت مش راجل .
لم اضع حقائبي علي الارض واقسمت الا اعود الي بيتنا الا بعد
استرداد الارض والعرض والكرامة .
عُدت الي انشاص وعندما وصلت وجدت كل زملائي عائدين ومن عجائب
الامور اني عندما عدت بعد ست سنوات لكي ابلغ امي اننا انتصرنا وجدتها قد توفيت فقد
ظلت من يوم السادس من اكتوبر حتي يوم التاسع عشر بدون طعام او شراب تجلس في بلكونة
منزلنا المطل علي السكة الحديد تنتظر قدومي وعندما لم اعود ظنت اني قد قُتلت فماتت
من الصدمة.
نعود مرة اخري الي عملية الجمال الانتحارية ويقول نبيل
ابوالنجا كُلفت الكتيبة مهمة قتالية لتنفيذ الكمائن في المضائق الجبلية ضد قوات
العدو المدرعة واستمر العمل ليل نهار في مناطق وعرة للغاية وفي ظروف شاقة استخدام
الذخيرة الحية وعلي اهداف مشابهة تماما للمعركة المقبلة وكان مخططا ان يُدفع
بالكتيبة خلف جبل عتاقة بمدينة السويس علي ان يتم تجميع الكتيبة في ليلة الخامس من
اكتوبر 1973.
في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بعد ظهر 6اكتوبر شعر الجميع
بأن بركانا من الحمم يصب علي الضفة الشرقية للقناة والطائرات المصرية تدك المواقع
الاسرائيلية لضمان نجاح عملية عبور الجيش الثالث الميداني لقناة السويس واقتحام خط
بارليف كان لزاما علي القيادة العامة للقوات المسلحة ان تمنع مدرعات ودبابات العدو
واسلحته الثقيلة الموجودة في عمق سيناء خلف المضايق من التدخل في المراحل الاولي
للعبور.
قررت القيادة العامة للقوات المسلحة دفع كتيبة صاعقة بالطائرات
الهيلكوبتر الساعة الرابعة عصرا بانزالها خلف الخطوط بمسافة 80كيلومتر في عمق
العدو بمنطقة رأس سدر للقرب من خط المضايق لعمل كمائن لدبابات العدو التي ستتقدم
عقب عبور قواتنا وتندفع شرقا من خلال المضيق الي منطقة عيون موسي لتدمير قوات
المشاة المصرية التي عبرت القناة وليس معها الا اسلحة خفيفة.
بمجرد
قيام الطائرات الهيلكوبتر العشرين للاقلاع من جبل عتاقة جنوب السويس هاجمتها
الطائرات الاسرائيلية بشراسة واوقعت بها خسائر فادحة وتعقدت المهمة نظرا لعدم وضوح
الصورة وكثافة الهجوم والاعاقة الاكترونية علي وسائل الاتصال .
نظرا لعدم وضوح الموقف دفعت القيادة العامة للقوات المسلحة
بالنقيب نبيل ابوالنجا بطائرتين هيلكوبتر من فوق فندق العين السخنة بالقرب من جبل
الجلالة الساعة السادسة والنصف في اخر ضوء للوصول الي موقع الكمين علي مسافة
80كيلومتر في العمق ويتم الابلاغ عن الموقف وهل وصلت عناصر من الكتيبة بموقع العمق
المحدد ام لا ولكن بمجرد اقلاع الطائرتين اسقطتهما طائرتين فانتوم وسط الرجال في
مياه خليج السويس علي مسافة 500متروالتقطهم قارب من حرس السواحل .
ثم قمنا بتكرار المحاولة من جنوب السويس من ميناء الادبية في
تمام الساعة الثامنة والنصف وفشلت المحاولة الثانية ايضا . ثم قررت القيادة مرة
اخري دفع النقيب نبيل ابو النجا بعشرة قوارب سريعة نفاثة من مرفأ للصيد صغير شمال
ميناء الادبية جنوب السويس وكان كل قارب به عشرة مقاتلين ومؤن وذخيرة والغام وذلك
في تمام الساعة الرابعة والنصف فجر الاحد 7اكتوبر واثتاء التجهيز قامت مجموعة
لنشات صواريخ اسرائيلية بتدمير المنطقة باكملها وتكبدنا خسائر فادحة وفشلت
المحاولة الثالثة لتحقيق الاتصال .
اصرت القيادة العامة للقوات المسلحة علي المضي قدما في
المحاولات مهما كان الثمن لان نجاح العبور باكمله مرتبط بنجاح هذه المهمة فقررت
الدفع مرة اخري بالنقيب نبيل ابو النجا بعشرة مدرعات برمائية الساعة الثامنة صباح
الاحد 7اكتوبر من منطقة الشط شمال السويس حيث لم تتمكن قواتنا حتي هذه اللحظة من
انشاء كوبري العبور الثقيل الذي كان كلما اوشك علي الانتهاء يتم تدميره ثم دفعت
القيادة العامة بسرب طائرات شراعية تقطرها طائرات مروحية وتتركها في اتجاه الريح
شرق الخليج حيث تتساقط منها مؤن وذخائر عسي ان تجد احياء علي ارض سيناء بالشرق من
كتيبة الصاعقة التي كانت تحاول الوصول للمضيق لكن الردارات الاسرائيلية اكتشفت
الطائرة الهيلكوبتر وقذفتها الطائرات الميراج الاسرائيلية ودمرتها عن اخرها.
نوضح الجزئية وطبيعة المهمة الني نحن بصددها ان هناك كتيبة
صاعقة خلف خطوط العدو احاول منع دباباته ومدرعاته من الوصول لخط بارليف وطبيعي ان
هذه القوات خلف خطوط العدو ينقطع الامداد والتموين عنها ومن هنا لابد ان تصلها
امدادات طعام وشراب وذخائر وكانت هذه هي مهمة نبيل ابو النجا.
دفعت قيادة وحدات الصاعقة مرة اخري بالنقيب نبيل ابو النجا
ومعه دورية انتحارية من 3رجال من الهجانة او حرس الحدود وكانوا من رجال النوبة
الاشداء ومندوب بدوي من المخابرات الحربية من قبائل الترابين بسيناء وقافلة جمال
تحمل المؤن والذخيرة والعتاد لعبور قناة السويس من شمال السويس من منطقة الشط حيث
اخذت تلقينا من مكتب المخابرات الحربية بالسويس وتضمن كيفية الوصول للمضيق علي
مسافة 80كيلو مترخلف خطوط العدو وعبور القناة باي وسيلة متاحة يوم الاثنين الموافق
8اكتوبر ثم التقدم من خلال قواتنا وكذلك خلال قوات العدو حتي مضيق راس سدر وتوصيل
المؤن والذخيرة لقوات الصاعقة التي ربما تكون احد عناصرها قد نجحت في الوصول
للمضيق علما بان تلك العناصر كانت تحمل طعام وتعيين قتال لمدة يوم واحد فقط من هنا
بدأت الرحلة الي جهنم وهي المحاولة السادسة للامداد وتحقيق الاتصال حيث كانت
العملية انتحارية بالفعل لانها تتم في عمق العدو ولكن لم يكن هناك مفر من اتمامها .
من هنا اقترح اللواء نبيل شكري دفع دورية بالجمال يصل عددها
الي خمسين جمل محملة بالمؤن والذخيرة بعد تعثر استخدام الطائرات الهيلكوبتر وتوغلت
الجمال في عمق العدو لمسافة 70كيلو متر والوصول
للوصول الي مواقع الرجال والعملية تُعد انتحارا حقيقا او مهمة
مستحيلة نظريا حيث ذهب ومعه اربع رجال من سلاح الحدود الهجانة وقبائل منطقة سدر
لتوصيل المؤن والذخيرة لابطال الصاعقة خلف خطوط العدو برأس سدر وبالفعل تم تجهيز
الجمال لهذه المهمة وتحميلها بالمؤن بواسطة عناصر الشؤون الادارية للجيش الثالث
وبعض افراد الهجانة والبدو وفي هذا التوقيت تلقي نبيل ابوالنجا والمجموعة المرافقة
له التعليمات التفصيلية وهو عبور قافلة الجمال من الضفة الغربية للقناة عند كوبري
الشط ناحية الضفة الشرقية وتم التنسيق مع عناصر استطلاع مصرية بخصوص النقاط التي
يمكن التسلل منها بالجمال والتوغل في العمق بحذر شديد علي ان يتم التحرك ليلا فقط
والاختفاء نهارا حتي الوصول لمضيق سدر بُعد 70كيلومتر والاتصال برجال الصاعقة
عبر
الرجال والجمال علي المركبات البرمائية وتم العبور في الساعة الثالثة والنصف فجر
الاربعاء الموافق 10اكتوبر بعد معاناة شديدة وبمجرد ان عبرت الدورية بالجمال
الثغرة التي فتحها المهندسين في الساتر بخراطيم المياه سجد الجميع علي الارض شكرا
وهم يقبلون تراب سيناء الطاهر واندفعت الدورية كما هو مخطط لها بمحاذاة شاطئ
القناة علي ان يتم الوضع في الاعتبار تجنب النقاط القوية التي لم تسقط من خط
بارليف ووسط هذه الاحداث الهائلة من الاهوال والنيران فقدوا عددا من الجمال وفي
تمام الساعة الثانية ظهر الاربعاء 10اكتوبر شاهد الرجال سيارة مياه تقوم بامداد
عناصر مصرية وتذكر الجميع انهم لم يذوقوا طعم النوم او الطعام او الشراب منذ
24ساعة ولكنهم رفضوا ان يشربوا مياه من الامدادات واستعانوا بعصارة نبات السيال
الموجودفي صحراء سيناء
عند
الوصول الي احد مراكز ألوية الجيش تركوا الجمال في الحفر المتجاورة بالقرب من نقطة
عيون موسي وفي تمام الساعة العاشرة مساء الاربعاء 10اكتوبر وصلت الدورية الي بداية
الطريق الاسفلتي المؤدي الي رأس سدر وجنوب سيناء وتقدموا بمنتهي الحذر وبعد دقائق
معدودة كان هناك اشتباك بين قوات العدو الاسرائيلي وعناصر احد الالوية المصرية
وحاصرتهم النيران من كل جانب ورغم ذلك تقدموا في خط سيرهم وواجهتهم عربة اسرائيلية
بطلقات في الهواء ونتج عن ذلك فرار الجمال بمنطقة وعرة وفقدت الدورية جملااخر
ليصبح العدد خمس جمال فقط ولم يجدوا حلا الا التحرك علي الجانب الايسر للطريق وهي
منطقة قريبة من عيون موسي فكانت مخاطرة غير مأمونة العواقب
مع
اول ضوء يوم الخميس 11اكتوبرالساعة 6صباحا سمعوا ازيز طائرات استطلاع العدو الجوي
وعلي الفور هرول نبيل ابو النجا الي مكان يستطيع منه المراقبة ووجد احد الجنود
يطلق النيران من الطائرة علي المناطق التي مروا بها ومن خلفها طائرة اخري تقوم
باحراق الارض بالنابالم وركزوا علي خط سير الدورية فاعطي ابو النجا الاوامر للرجال
بمغادرة الاماكن المختبئين فيها وبحلول اخر ضوء يوم الخميس 11اكتوبر صدرت الاوامر
للدورية للاستعداد للتحرك وكان متبقي للوصول للمضيق 22كيلو فقط
يقول
نبيل ابوالنجا ظللت طوال يوم الجمعة 12اكتوبر اتابع الموقف وارصد نشاط العدو في
المنطقة واوحاول تحديد ثغرة يمكن للدورية العبور منها للوصول الي الرجال وعدت لاجد
عددا كبيرا من الجمال ووجدت امامي احد شيوخ البدو وهوالشيخ سالم شيخ قبيلة
الترابين واتفقت معه علي الذهاب للمضيق لاستطلاع الموقف مرة اخري وقرر الانتقال
لمكان اخر علي بعد حوالي 5كيلومتر منطقة كثيفة بالشجيرات والاعشاب وربما يتبع
العدو البدو او يتبعوا اثار الاقدام عند اول ضوء في الصباح التالي وطالب الشيخ ان
يتم تقسيم القافلة نصفين يسلك كل منهما طريقا منفصلا وذلك لتوزيع المخاطر وقبل فجر
الاحد 14اكتوبر وصلت الجمال التي كان يقود احدهما الشيخ سالم والاخري ابنه الي
رجال الصاعقة واوصلا المؤن والسلاح الي الرجال ليسجد الجميع شكرا لله بعد ان تحققت
المعجزة ونجحت الجمال في تحقيق ما تعثرت فيه الطائرات والقوارب
يقول
نبيل ابو النجا بعد كل هذه السنوات لازلت اتذكر صوت امي وهي توبخني بصوتها الدافئ
وتطردني من البيت لكي استرد ارضنا وعرضنا وكان صوت امي دائما يدفعني لاكمال اي
مهمة تُسند إليا