مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 11

وصبروا حتى استشهدت "سمية" وهى تأبي إلا الإسلام.

ورووا أن أبا بكر مرّ بجارية لبنى عدى بن كعب ، وعمر بن الخطاب - قبل إسلامه - يعذبها على جمر الصخور الملتهبة بالقيظ ، ليفتنها عن دينها. وظل يضربها حتى تعب وملَّ ، فكف عنها وهو يقول لها: إنى أعتذر إليك ، فلم أتركك إلا عن ملالة!

حتى أنقذها أبو بكر الصديق. ألح على عمر ، حتى باعه إياها فأعتقها لوجه الله كما أعتق عدداً غيرها من المستضعفين بعد أن اشتراهم.

قال له أبوه "قحافة" يحاوره:
- إنى أراك يا بنى تعتق رقاباً ضعافاً ، فلو أنك فعلت ما فعلت ، أعتقت رجالاً أشداء يمنعونك ويقومون دونك؟
رد أبو بكر: يا أبت ، إنى إنما أريد ما أريد ما أريد لوجه الله.
فيُروى أن هذه الآيات نزلت فيه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ(12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ(20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21)} صدق الله العظيم.

أسلم " خباب بن الأرت " وأعيا قريشاً أن تفتنه عن دينه.
وكان من أمهر العبيد الصناع ، يعمل السيوف بمكة للسادة القرشيين ، وقل أن يجدوا من يدانيه حذقاُ للصنعة وتواضعاً في الأجر.
واحتاج في محنته إلى مال يفتدى به نفسه ، فذهب إلى السيد "العاص بن وائل السهمى" يتقاضاه أجر سيوف عملها له ، فنظر إليه السيد الشريف في ازدراء وسأله ساخراً:
" أليس يزعم محمد صاحبكم ، هذا الذى أنت علي دينه ، أن في الجنة ما ابتغي أهلها من ذهب وفضة ؟"
رد " خباب " وهو لا يدرى وجه السؤال: " بلى "

قال العاص بن وائل:
" فأمهلنى إلي يوم القيامة يا خباب ، حتى أرجع إلى تلك الدار الآخرة فأقضيك هنالك حقك. فوالله لا تكون أنت وصاحبك محمد يا خباب ، آثر عند الله منى ولا أعظم حظاً من ذلك ".
وانصرف خباب ، وعوِضُه على الله سبحانه.

وراح العاص بن وائل يباهى في مجامع قريش بحيلته الذكية الماكرة التى أصاب فيها عصفورين بحجر واحد: أكل مال خباب عقاباً له علي إسلامه ، واستهزأ بدين صاحبه!

******************************************************************
عزيزى القارئ:
--------------
القيظ: شدة الحر - صميم الصيف

يفتن: سحره - أعجبه - استهواه - يصرفها - اختبر وامتحن

ملالة: اسم من المصدر والفعل مَلَّ - سئمه وضجر منه - فتور يعترى الإنسان من كثرة وتكرار مزاولة الشئ فيوجب الإعراض أى الامتناع عنه

يغشي: أظلم - جعل عليه غشاء أو غطاء - يلقي عليه النعاس

بالحسنى: المقصود الإسلام والجنة

لليُسرى: الخصلة المؤدية لليسر والراحة والجنة

تجلي: انكشف وظهر

شتى: متفرق ومختلف

للعسرى: المؤدية للعذاب - المؤدية للعسر والأمر الصعب

الأشقي: الأكثر ضلالاً - الأقل حظاً

اتقي: ابتغاء وجه الله

تردى: هلك وسقط في الهاوية

تلظى: أصلها تتلظى أى تتلهب وتتوقد من شدة حرارتها

يتزكى: الذى ينفق ماله في وجوه الخير ليزكى نفسه

تجزى: يكافئه (نزلت في الصديق رضي الله عنه)

حذقاً: مهارة واتقان - اشتد وزاد أثره عليها - مارسه - قطعه

ازدراء: احتقار - استخفاف به

آثر: فاعل من أثر = أؤثر - فضله واختاره - جعله يتبع أثره

عزيزى القارئ:
--------------
تصف لنا الكاتبة "بنت الشاطئ" ما كان يفعله سادة قريش من صنوف التعذيب والإستهزاء من الذين اعتنقوا دين الإسلام الجديد خاصة المستضعفين منهم .. وكيف كان السابقون الأولون من علية القوم يفتدونهم بالمال ولا يبغون إلا جزاء ووجه الله

ونجد أن آيات سورة (الليل) معظمها نزلت في سيدنا "أبو بكر الصديق" بن "قحافة" رضي الله عنه .. وسنجمل تفسير هذه السورة الكريمة في الآتى:

الله يُقسم بالليل إذا غطى بظلمته الكون يكون سكن لكافة الخلق فيأوى فيه الإنسان والحيوان إلي مأواه ويسكن عن الاضطراب والحركة وستر بشبحه الوجود ، وأقسم بالنهار لأن فيه حركة الخلق فإذا انكشف وأنار العالم وأضاء الكون فيكون سعيهم لإكتساب الرزق ، والحكمة في هذا القسم ما في تعاقب الليل والنهار من مصالح لا تُحصي فإنه لو كان العمر كله ليلاً لتعذرت الحياة ولو كان كله نهاراً لما سكن الإنسان إلي الراحة ولإختلت مصالح البشرأى وأقسم القادر العظيم الذى خلق النوعين الذكر والأنثي للتنبيه على أنه الخالق والمبدع الحكيم لا يحصل بمحض الصدفة ولكن من كائنات دقيقة في المنىّ متساويين من الخلايا "الحيوان المنوى والبويضة " لتكوين الذكر أو الأنثي وهذا دليل على أن واضع هذا النظام عالم سبحانه بما يفعل محكم لما يصنع "إن سعيكم لشتى" هذا هو جواب القسم أى إن عملكم لمختلف .. فمنكم تقي ومنكم شقي ومنكم الصالح ومنكم الطالح .. ثم فسره بقوله تعالي "فأما من أعطى واتقي" أى فأما من أعطى ماله وأنفق ابتغاء وجه الله واتقي ربه فكف عن محارم الله وصدَّق بالجنة التى أعدها الله للأبرار .. وسنهيئه لعمل الخير ونسهل عليه الخصلة المؤدية لليسر بفعل الطاعات وترك المحرمات لدخول الجنة .. أما من بخل بإنفاق المال واستغنى عن عبادة ذى الجلال وكذب بالجنة ونعيمها فسنهيئه للخصلة المؤدية للعسر وهى الحياة السيئة في الدنيا والآخرة وهى طريق الشر لجهنم فلا ينفعه ماله إذا هلك وهوى في نار جهنم .. وإن علينا أن نبين للناس طريق الهدى من طريق الضلالة "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" أى لنا ما في الدنيا والآخرة فمن طلبهما من غير الله فقد أخطأ الطريق .. أى فحذرتكم يا أهل مكة ناراً تتوهج من شدة حرارتها ويدخلها للخلود ويذوق سعيرها الكافر الشقي وكذلك من كذَّب الرسل وأعرض عن الإيمان .. أما النقى التقي فسيتجنبها أى المبالغ في اجتناب الشرك والمعاصي .. أى الذى ينفق ماله في وجوه الخير ليزكى نفسه .. أى وليس لأحدِِ عنده نعمة حتى يكافئه عليها وإنما ينفق لوجه الله .. ويقول المفسرون أن هذه الآيات نزلت في حق سيدنا "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه .. حين إشترى "بلالاً" وأعتقه في سبيل الله فقال المشركون: إنما فعل ذلك لغاية كانت له عنده .. فنزلت "إلا ابتغاء وجه ربك الأعلى" أى ليس له غاية إلا مرضاة الله وسوف يعطيه الله في الآخرة ما يرضيه وهو وعد كريم من رب رحيم.

واسمح لي أن نكتفي اليوم بهذا القدر وسنستكمل لاحقاً بمشيئة الرحمن مسيرة السيدة الطاهرة "آمنه" وزوجها والد رسول الله صلَ الله عليه وسلم .. الخ ..

ولكن أترك لكم رابط فيديو عن قصة نذر "عبد المطلب" مدته 3:26 دقيقة

https://www.youtube.com/watch?v=OrPe70qwR4U

وختاماً عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فريق مصر أم الكون 

خديجه حسين