" الهجرة إلى الحبشة " " ب "
بدأ وافدا قريش بالبطارقة ، فقبل كل بطريق هديته ووعد خيراً.
ثم تقدما إلى النجاشي فوضعا الهدايا بين يديه وقالا له:
ثم تقدما إلى النجاشي فوضعا الهدايا بين يديه وقالا له:
- أيها الملك ، إنه قد ضوى إلي بلدك غلمان منا سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم
يدخلوا فى دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت. وقد بعثنا إليك فيهم
أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أبصر بهم وأعلم بما
عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.
وأيد البطارقة المرتشون التماس الرجلين وقالوا للنجاشي:
- صدقا أيها الملك ، قومهم أعلم بما عابوا عليهم ، فأسلمهم إليهما فيرداهم إلي بلادهم وقومهم.
لكن النجاشي رفض أن يسلمهم قبل أن ينظر في أمرهم ويسمع كلمتهم. وأمر باستدعاء رجال منهم فجاءوا وقد دعا النجاشي أساقفته ومعهم كتبهم الدينية.
وبدأ فسأل المهاجرين:
- ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في دينى ولا في دين أحد من هذه الملل؟
فأجاب عنهم جعفر بن أبي طالب:
- أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف.
فكنا علي ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلي الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات. وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ... فصدقناه وآمنا به واتبعناه علي ما جاء به من الله ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً ، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث.
فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلي بلادك واخترناك علي من سواك ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك ...
سأه النجاشي:
- هل معك مما جاء به عن الله من شئ فتقرأه عليّ؟
فقرأ جعفر بن أبي طالب صدراً من سورة مريم ، لم تكد تُترجَم وتنفذ إلي سمع النجاشي حتى بكى خشوعاً وتأثراً، وكذلك بكى أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم.
وقال النجاشي ، موجهاً خطابه إلي وافدى قريش:
" إن هذا - الذي سمعتُ - والذى جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون".
وأيد البطارقة المرتشون التماس الرجلين وقالوا للنجاشي:
- صدقا أيها الملك ، قومهم أعلم بما عابوا عليهم ، فأسلمهم إليهما فيرداهم إلي بلادهم وقومهم.
لكن النجاشي رفض أن يسلمهم قبل أن ينظر في أمرهم ويسمع كلمتهم. وأمر باستدعاء رجال منهم فجاءوا وقد دعا النجاشي أساقفته ومعهم كتبهم الدينية.
وبدأ فسأل المهاجرين:
- ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في دينى ولا في دين أحد من هذه الملل؟
فأجاب عنهم جعفر بن أبي طالب:
- أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف.
فكنا علي ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلي الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات. وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ... فصدقناه وآمنا به واتبعناه علي ما جاء به من الله ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً ، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث.
فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلي بلادك واخترناك علي من سواك ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك ...
سأه النجاشي:
- هل معك مما جاء به عن الله من شئ فتقرأه عليّ؟
فقرأ جعفر بن أبي طالب صدراً من سورة مريم ، لم تكد تُترجَم وتنفذ إلي سمع النجاشي حتى بكى خشوعاً وتأثراً، وكذلك بكى أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم.
وقال النجاشي ، موجهاً خطابه إلي وافدى قريش:
" إن هذا - الذي سمعتُ - والذى جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون".
وانصرفا ، أما عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقي الرجلين -
فساوره ما يشبه القلق ، لما رأى من خشوع النجاشي وأساقفته عندما سمعوا القرآن ،
وأخجله أن يكون هذا الملك الغريب أبرّ بالمهاجرين من قومهم وعشيرتهم.
وأما عمرو بن العاص ، فلم يجد في الموقف ما يدعو إلى يأس ، وله من ذكاء حيلته وبراعة مكره ودهائه ، ما يغريه بمعاودة الكرة!
قال لصاحبه:
- والله لآتين النجاشي غداً عنهم ، بما أستأصل به خضرائهم.
ورد عبد الله:
- لا نفعل ، فإن لهم أرحاماً وإن كانوا خالفونا.
فلم يبال عمرو تراجعَ صاحبه ، بل قال كمن لم يسمع رده:
- والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن "عيسي بن مريم" عبد!
وسعى في الغد إلي قصر النجاشي ، فاستأذن في الدخول وقال بعد أن حياه:
- أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسي بن مريم قولاً عظيماً ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه.
وأمر النجاشي ، فجئ بجعفر بن عبد المطلب وصحبه من وفد المهاجرين ، وقد سمعوا بمكيدة عمرو بن العاص ، وأجمعوا أمرهم على أنهم إذا سئلوا عما يقولون في عيسي بن مريم ، لم يجيبوا بغير ما جاءهم به المصطفي من وحى ربه.
فلما اجتمع المجلس ، ابتدرهم النجاشي يسأل:
- ماذا تقولون في عيسي بن مريم؟
أجاب جعفر:
- نقول والله ما قال الله وما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم:
هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فمد النجاشي يده فالتقط عوداً من الأرض ثم قال لجعفر وصحبه:
- والله ما عدا عيسي بن مريم ما قلت هذا العود. اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ، ومن سبّكم غرِم. وما أحب أن لى دَبراً - أى جبلا - من ذهب ، وأنى آذيت رجلاً منكم.
ثم التفت إلى بطارقته وقال وهو يشير إلي وافدى قريش:
" رُدوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين رَدّ علىّ ملكى فآخذ الرشوة فيه. وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه!"
وأما عمرو بن العاص ، فلم يجد في الموقف ما يدعو إلى يأس ، وله من ذكاء حيلته وبراعة مكره ودهائه ، ما يغريه بمعاودة الكرة!
قال لصاحبه:
- والله لآتين النجاشي غداً عنهم ، بما أستأصل به خضرائهم.
ورد عبد الله:
- لا نفعل ، فإن لهم أرحاماً وإن كانوا خالفونا.
فلم يبال عمرو تراجعَ صاحبه ، بل قال كمن لم يسمع رده:
- والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن "عيسي بن مريم" عبد!
وسعى في الغد إلي قصر النجاشي ، فاستأذن في الدخول وقال بعد أن حياه:
- أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسي بن مريم قولاً عظيماً ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه.
وأمر النجاشي ، فجئ بجعفر بن عبد المطلب وصحبه من وفد المهاجرين ، وقد سمعوا بمكيدة عمرو بن العاص ، وأجمعوا أمرهم على أنهم إذا سئلوا عما يقولون في عيسي بن مريم ، لم يجيبوا بغير ما جاءهم به المصطفي من وحى ربه.
فلما اجتمع المجلس ، ابتدرهم النجاشي يسأل:
- ماذا تقولون في عيسي بن مريم؟
أجاب جعفر:
- نقول والله ما قال الله وما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم:
هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فمد النجاشي يده فالتقط عوداً من الأرض ثم قال لجعفر وصحبه:
- والله ما عدا عيسي بن مريم ما قلت هذا العود. اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ، ومن سبّكم غرِم. وما أحب أن لى دَبراً - أى جبلا - من ذهب ، وأنى آذيت رجلاً منكم.
ثم التفت إلى بطارقته وقال وهو يشير إلي وافدى قريش:
" رُدوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين رَدّ علىّ ملكى فآخذ الرشوة فيه. وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه!"
**********
عزيزى القارئ:
_________
ضوى: انضم - جمع ضواة - مال - أتانى - أتانا ليلاً - ضعف وهزل - كل ورم جامد
عزيزى القارئ:
_________
ضوى: انضم - جمع ضواة - مال - أتانى - أتانا ليلاً - ضعف وهزل - كل ورم جامد
المحصنات: الطاهرات - المحميات - المصونات - العفيفات -
الحرائر- المتزوجات
أخضل: الشئ المبتل المُنَدّى - "فبكوا حتى أَخْضَلُوا لحاهم"
"حديث شريف"
مشكاة: تجويف أو كوة في الحائط غير نافذة يوضع عليها المصباح
أو القنديل - مِشكاة المصباح = ما يحمل عليه أو يوضع فيه المصباح - الجمع مشكاوات
- "كمشكاة فيها مصباح" آية 35 من سورة "النور"
ساوره: صارعه - داخله - أخذ برأيه
خشوع: استكانة وسكون - خضوع - ضراعة - انكسار - انخفاض
أبرّ: أصلحهم - أصدق - أكثر قرباً - أجابه
خضراءهم: أصلهم الذى منه تفرعوا - خصبهم ونعيمهم - حسن المظهر
سئ الباطن - السماء القبة الخضراء - خضراء مؤنث أخضر
البتول: تعرف به سيدتنا "مريم" العذراء رضي الله
عنها - عذراء بكر - تطلق على من عاش دائماً في عفة تامة - المنقطعة عن الزواج
غَرِم: خَسِرَ - أداهما عن غيره - لزمه ما يجب عليه
عزيزى القارئ:
_________
أعتذر عن طول ما نقلته عن كاتبتنا د. "بنت الشاطئ" اليوم .. لأنه موقف من روعته ما كان لي أن أجزئه ..
موقف أجْمَلَّت فيه كاتبتنا صفات النبي الحميدة الكريمة صلوات الله وبركاته عليه .. وكيف أنه مهما بلغ التآمر فلا يتم إلا ما قد كتبه الله "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" .. وأن الحاكم العادل المنصف لا يظلم .. وأن المؤمين يميزون بين الحق والباطل مهما تعرضوا من ظلم .. وأروع ما كان رد الصحابي الجليل "جعفر بن أبي عبد المطلب" رضي الله عنه من سورة "مريم" البتول وهى سورة رائعة وكثير من أخوتنا المسيحيين الذين نعرفهم يحبون الاستماع إليها .. وصدق القول كل الرسالات والأديان السماوية من مشكاة واحدة .. من عند الله عز وجل
_________
أعتذر عن طول ما نقلته عن كاتبتنا د. "بنت الشاطئ" اليوم .. لأنه موقف من روعته ما كان لي أن أجزئه ..
موقف أجْمَلَّت فيه كاتبتنا صفات النبي الحميدة الكريمة صلوات الله وبركاته عليه .. وكيف أنه مهما بلغ التآمر فلا يتم إلا ما قد كتبه الله "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" .. وأن الحاكم العادل المنصف لا يظلم .. وأن المؤمين يميزون بين الحق والباطل مهما تعرضوا من ظلم .. وأروع ما كان رد الصحابي الجليل "جعفر بن أبي عبد المطلب" رضي الله عنه من سورة "مريم" البتول وهى سورة رائعة وكثير من أخوتنا المسيحيين الذين نعرفهم يحبون الاستماع إليها .. وصدق القول كل الرسالات والأديان السماوية من مشكاة واحدة .. من عند الله عز وجل
وإليكم رابط فيديو لجزء يوضح بعض تفاصيل هذا الموقف من فيلم
الرسالة مدته 9:56 دقيقة
عزيزى القارئ:
_________
ونستكمل السيرة العطرة للسيدة الفاضلة الطاهرة "آمنة بنت وهب" والسيد العفيف الكريم "عبد الله بن عبد المطلب" رضي الله عنهما
_________
ونستكمل السيرة العطرة للسيدة الفاضلة الطاهرة "آمنة بنت وهب" والسيد العفيف الكريم "عبد الله بن عبد المطلب" رضي الله عنهما
ونامت "آمنة" ليلتها هذه لكنها لم تكف عن الرؤيا
التى ألمت بها ، و"عبد الله" إلي جانبها.
واستيقظت العروس ، وأقبلت على زوجها تحدثه عن رؤياها .. لقد
رأت شعاعاً من نور ينبثق من كيانها فيضئ الدنيا حولها ، حتى لكأنها ترى به قصور
"بصرى" من أرض الشام ، وسمعت هاتفاً يهتف لها:
لقد حملت ب "سيد هذه الأمة". صلوات الله وسلامه.
وبقي "عبد الله" مع عروسه أياماً معدودات كأجمل وأهنأ وأرق فترة مرت بهما في تاريخهما.
قيل أنها عشرة أيام ، وقيل أكثر من ذلك بقليل ، ولكن لم يتم عد هذه الأيام بالضبط.
لقد كان "عبد الله" يُعد نفسه للحاق بالقافلة التجارية المسافرة إلي الشام ، وفي أغلب الظن أن كلام "رقية بنت نوفل" عن النور الذي فارق "عبد الله" وإنتقل إلي "آمنة" قد شغل بعض سويعات السمر بين العروسين في الأيام القليلة التى قضياها معاً كما أن الأحلام قد حلقت بهما فى آفاق عالية قبل أن يفترقا.
وحانت ساعة الرحيل ، وإقتربت ساعة الفراق ، وودع "عبد الله" زوجته الحبيبة ، وذلك حين أذن برحيل القافلة ، فتشبثت "آمنة" به وقد أحست بألم دفين ، وكأنها تسبق الزمن وترنو وتنظر إلي المستقبل ، فشحب وجهها ، فربّت "عبد الله" على كتفيها مطمئناً ، ثم انتزع نفسه من يديها ، وهو يقول:
- إن هى إلا بضعة أسابيع ثم أعود إليك.
فهمست ، بل إن الكلمات خرجت من فمها مخنوقة بالعَبَّرات ومبللة بالدموع:
- وماذا أصنع بنفسي وأنت بعيد عنى؟
فأجابها متضاحكاً ، وهو يغالب عواطفه:
- تسامرين طيفي الذى لن يبرح يحوم حولك ، وترعين قلبي الذى أدعه أمانة عندك ، وهل نسيتِ يا "آمنة" إن معكِ أكثر من هذا ، ذلك النور الذى طمعت فيه نسوة قريش.
وإذ بلغ الباب إنفلت مسرعاً قبل أن تخونه شجاعته وتغلبه عواطفه ، وبقيت "آمنة" حيث كانت بباب مخدعها حزينة ، وإنحدرت علي وجنتيها خطوط طويلة من الدموع ، وقد وضعت يدها علي قلبها خشية تصدعه.
وأدركتها بعد قليل جاريتها "بركة أم أيمن" فقادتها برفق إلى فراشها ، ثم جلست إلي جوارها ترعاها ، مشفقة عليها مما تلاقيه مُسَرِّية عنها ما إستطاعت.
لقد حملت ب "سيد هذه الأمة". صلوات الله وسلامه.
وبقي "عبد الله" مع عروسه أياماً معدودات كأجمل وأهنأ وأرق فترة مرت بهما في تاريخهما.
قيل أنها عشرة أيام ، وقيل أكثر من ذلك بقليل ، ولكن لم يتم عد هذه الأيام بالضبط.
لقد كان "عبد الله" يُعد نفسه للحاق بالقافلة التجارية المسافرة إلي الشام ، وفي أغلب الظن أن كلام "رقية بنت نوفل" عن النور الذي فارق "عبد الله" وإنتقل إلي "آمنة" قد شغل بعض سويعات السمر بين العروسين في الأيام القليلة التى قضياها معاً كما أن الأحلام قد حلقت بهما فى آفاق عالية قبل أن يفترقا.
وحانت ساعة الرحيل ، وإقتربت ساعة الفراق ، وودع "عبد الله" زوجته الحبيبة ، وذلك حين أذن برحيل القافلة ، فتشبثت "آمنة" به وقد أحست بألم دفين ، وكأنها تسبق الزمن وترنو وتنظر إلي المستقبل ، فشحب وجهها ، فربّت "عبد الله" على كتفيها مطمئناً ، ثم انتزع نفسه من يديها ، وهو يقول:
- إن هى إلا بضعة أسابيع ثم أعود إليك.
فهمست ، بل إن الكلمات خرجت من فمها مخنوقة بالعَبَّرات ومبللة بالدموع:
- وماذا أصنع بنفسي وأنت بعيد عنى؟
فأجابها متضاحكاً ، وهو يغالب عواطفه:
- تسامرين طيفي الذى لن يبرح يحوم حولك ، وترعين قلبي الذى أدعه أمانة عندك ، وهل نسيتِ يا "آمنة" إن معكِ أكثر من هذا ، ذلك النور الذى طمعت فيه نسوة قريش.
وإذ بلغ الباب إنفلت مسرعاً قبل أن تخونه شجاعته وتغلبه عواطفه ، وبقيت "آمنة" حيث كانت بباب مخدعها حزينة ، وإنحدرت علي وجنتيها خطوط طويلة من الدموع ، وقد وضعت يدها علي قلبها خشية تصدعه.
وأدركتها بعد قليل جاريتها "بركة أم أيمن" فقادتها برفق إلى فراشها ، ثم جلست إلي جوارها ترعاها ، مشفقة عليها مما تلاقيه مُسَرِّية عنها ما إستطاعت.
عزيزى القارئ: اسمح لى بالإكتفاء بهذا القدر من هذه السيرة
العطرة على موعد بإستكمالها في لقاء قادم إذا شاء وأذن رب العالمين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي سيدنا "محمد" وآله وصحبه
وسلم بعدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما لم يذكروه وبعدد ما شاء ربى .. اللهم آمين
فريق مصر أم الكون
خديجه حسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق