مع المصطفى فى عهد المبعث رقم 15

بئست الكنية أبو لهب ، لعبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم.
قبل أربعين عاماً من المبعث ، تلقي عبد العزى بشرى مولد محمد ، ابن أخيه الراحل عبد الله بن عبد المطلب.

حملتها إليه مولاة له ، فأعتقها ببشراها !
ثم لما بلغ الوليد سن الرجولة واصطفاه الله سبحانه رسولاً ، لم يعد عبد العزى يعرف باسمه ، وإنما لصقت به كنيته أبو لهب.
لم يكتف الملعون بأن يرفض دعوة ابن أخيه ويرد إليه بنتيه طالقين ، بل تصدى له بادئ ذى بدء بالتكذيب والاستهزاء ، من الفترة الأولي التى كان المصطفى فيها يتهيب الجهر بدعوته في الناس ، ويكتفي بتبليغها إلي من يأنس فيه الاستعداد للإصغاء والقبول.

حتى تلقى المصطفى أمر ربه:

بسم الله الرحمن الرحيم .. {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} .. صدق الله العظيم. .. بسم الله الرحمن الرحيم .. {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)} .. صدق الله العظيم.

فخرج صلى الله عليه وسلم حتى أتى الصفا فصعد عليه ؛ ونادى بأعلي صوته: "واصباحاه!"

فلما اجتمع له القوم ابتدرهم قائلا:
" أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي؟"
أجابوا: "ما جربنا عليك كذباً قط"
قال: "فإنى نذير لكم بين يدى عذاب أليم".
عندئذ انبرى له عمه عبد العزى قائلاً:
" تباً لك! ألهذا جمعتنا؟"
ومضي علي غلوائه ، فكان من أشد الكفار عداوة للإسلام وإيذاء للمصطفي عليه الصلاة والسلام.
ومن ورائه امرأته "أم جميل بنت حرب ، أخت أبي سفيان" ، وقد غاظها أن تسمع ما نزل فيها وفي زوجها أبي لهب من القرآن ، فخرجت تطلب المصطفي ، وفي يدها فهر ، حجارة تملأ الكف.
وسمعت أنه صلى الله عليه وسلم في الكعبة ، فاندفعت نحوه تهدد بالوعيد ، لكن بصرها تخطى المصطفي فلم تره ، ورأت أبا بكر هناك ، فسألته:
" أين صاحبك؟ فقد بلغنى أنه يهجونى. والله لو وجدته لضربته بهذا الفهر. إنه إن يكن شاعراً فإنى لشاعرة"
وانصرفت وهى ترتجز:
مذمماً عصينا
وأمره قلينا
ودينه أبينا
قال أبو بكر الصديق للمصطفى:
- يا رسول الله ، أما تراها رأتك؟
قال عليه الصلاة والسلام:
- ما رأتنى ! لقد أخذ الله ببصرها عنى.

وحدث مرة أن أخذت أبا لهب حمية الدم الهاشمى فغضب لما رأى من جور قريش علي بنى هاشم الذين أبوا أن يخذلوا ابن عبد الله بن عبد المطلب ، وإن رفضوا دينه كراهة أن يعقوا أوثاناً وجدوا آباءهم لها عابدين.
في خبر أن أبا سلمة المخزومى ، ابن برة بنت عبد المطلب استجار بخاله أبي طالب حين أراد قومه أن يفتنوه عن إسلامه. فمشي رجال من بنى مخزوم إلي أبي طالب فقالوا له:

- لقد منعت منا ابن أخيك محمداً ، فمالك ولصاحبنا تمنعه منا؟
قال:
- إنه استجار بي ، وهو ابن أختى. فإن أنا لم أمنع ابن أختى لم أمنع ابن أخى.
وكان أبو لهب حاضراً ، فقال مغضباً:
- يا معشر قريش ، والله لقد أكثرتم علي هذا الشيخ. ما تزالون تتوثبون عليه في جواره من قومه. والله لتنتهيُنَّ عنه أو لنقومَنَّ معه في كل ما قام فيه.
فآثروا الإبقاء على أبي لهب في حزبهم ، وقالوا له يسترضونه:
- بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة.
لكن أبا عتبة لم يكره خذلان ابن أخيه! أعشي سحر أم جميل عينيه وأمات مروءته ونخوته ، فتسلط بالأذى على المصطفي ومن اتبعه. فيقول الأحوص ، الشاعر الأنصارى في حمالة الحطب ، امرأة أبي لهب:
ما ذات حبل يراه الناس كلهم ... وسط الجحيم ولا يخفي علي أحد
كلُّ الحبال، حبال الناس، من شعر ... وحبلُها وسْطَ أهل النار من مَسد

**********************
عزيزى القارئ:
--------------
بئس: فعل للذم - افتقر واشتدت حاجته - بؤس

غلواء: من غُلوُّ - كوارث - التشدد والإفراط - مجاوزة الحد - مبالغة

فِهْرُ: قطعة حجر

جور: ظلم - هدمه - قوضه - صرع

يعق: يعصي - ترك الاحسان والشفقة _يذبح ذبيحة

تتوثب: تقفز - تستولي عليه ظلماًوجوراً

أعشي: جعله ضعيف البصر ليلاً - أطعمه ليلاً

نبوءة: الإخبار عن شئ قبل وقته حزراً وتخميناً - تكليف إلهى لأحد الأشخاص - مقام النبي

نخوة: الحماسة والمروءة - العظمة والتكبر

عزيزى القارئ:
--------------
تؤكد كاتبتنا د. "بنت الشاطئ" بالتناقض في مواقف أبو لهب مع سيدنا "محمد" ومنه صلي الله عليه وسلم ما قبل المبعث وما بعده ووضحت فيه موقف واحد أخذته النزعة القبلية بخصوص أبا سلمة المخزومى في منع آل مخزوم عن عبد المطلب .. ولكنه كان من أشد أعداء الرسول والإسلام هو وزوجته أم جميل الملعونة .. وكررت لنا قصة طلاق بنتى الرسول صلوات ربي وسلامه عليه

وقبل أن أستعرض تفسير الآيات التى جاءت أعلاه أود أن أذكر أن أول آيتين ( 214 و 215 ) من سورة "الشعراء" والآية ( 89 ) من سورة "الحجر" .. وأن القرآن كان ينزل متفرقاً بحسب الأحداث والحكمة تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن نزول الآيات بحسب الأحداث أدعى للشعور بالطمأنينة وفيه زوال لأسباب القلق "وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرأن جملة جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه نرتيلاً" "32" من سورة "الفرقان"

بسم الله الرحمن الرحيم .. {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} .. صدق الله العظيم.

أمر الله تعالى رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة لأقاربك الأقرب منهم فالأقرب أى خوِّف أقاربك الأقرب منهم فالأقرب من عذاب الله إن لم يؤمنوا .. وروى أنه صلى الله عليه وسلم عندما نزلت عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قام فقال: "يا معشر قريشٍ اشتروا أنفسكم من الله لا أُغنى عنكم من الله شيئاً ، يا بنى عبد مناف لا أُغنى عنكم من الله شيئاً ، يا عباسُ بنَ عبدِ المطلب لا أغنى عنك من الله شيئاً ، يا صفيةُ عمةَ رسول الله لا أُغنى عنك من الله شيئاً ، يا فاطمةُ بنتَ محمد سلينى ما شئتِ لا أُغنى عنك من الله شيئاً" .. وقال المفسرون إنما أُمِر صلى الله عليه وسلم بإنذار أقاربه أولاً لئلا يظن أحدٌ به المحاباة واللطف معهم فإذا تشدَّد على نفسه وعلى أقاربه كان قوله أنفع ، وكلامه أوقع ، وأمره بأن يتواضع وأن يكون لين الجانب لأتباعه المؤمنين .. سورة "الشعراء" مكية وسميت بهذا الاسم لأن الله تعالي ذكر فيها أخبار الشعراء ليرد على المشركين في زعمهم أن محمداً صلي الله عليه وسلم كان شاعراً وأن ماجاء به من قبيل الشعر.

بسم الله الرحمن الرحيم .. {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)} .. صدق الله العظيم.

الله يأمر نبيه الكريم اللهم صلِ وسلم وبارك عليه .. قل لهم يا محمد أنا المنذر من عذاب الله الواضح البيِّن في الإنذار لمن عصي أمر الله الجبار .. سورة الحِجْر سورة مكية تستهدف المقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية "الوحدانية ، النبوة ، البعث والجزاء" .. وسميت السورة بهذا الاسم لأن الله تعالي تعالى ذكر ما حدث لقوم صالح وهم قبيلة "ثمود" وديارهم في الحِجر بين المدينة والشام الذين كانوا أشداء ينحتون الجبال ليسكنوها وكأنهم مخلدون في هذه الحياة.

وبعودتنا عزيزى القارئ إلى الخبيثة "أم جميل" إليكم رابط فيديو "جزء أول" عنها وأنصح أصحاب الباقة مشاهته من الدقيقة 4:10 حتى 16:10 لأن مدته الكاملة 18:33 دقيقة

https://www.youtube.com/watch?v=zNjQwZw7zao

وخير ختام أن نصلي على نبينا الكريم "اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد بعدد الحركات والسكون وبعدد أنفاس الكائنات الأحياء منهم والأموات"

فريق مصر أم الكون

خديجه حسين